للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ مالِكٌ : لا يَجوزُ أنْ يُؤذَنَ لهم في دُخولِها بحالٍ (١).

وقالَ الحَنفيةُ: لا يُمنعُ الذِّميُّ من دُخولِ الحَرمِ، ولا يَتوقَفَ جَوازُ دُخولِه على إذنِ مُسلمٍ ولو كانَ المَسجدَ الحَرامَ (٢).

يَقولُ الجَصاصُ في تَفسيرِ قَولِ اللهِ تَعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ [التوبة: ٢٨]: يَجوزُ للذِّميِّ دُخولُ سائرِ المَساجدِ، وإنَّما مَعنى الآيةِ على أحدِ الوَجهَينِ: إمَّا أنْ يَكونَ النَّهيُ خاصًّا في المُشرِكينَ الذين كانُوا مَمنوعينَ من دُخولِ مَكةَ وسائرِ المَساجدِ؛ لأنَّهم لمْ تَكنْ لهم ذِمةٌ، وكانَ لا يُقبَلُ منهم إلا الإسلامُ أو السَّيفُ وهُم مُشرِكو العَربِ، أو أنْ يَكونَ المُرادُ مَنعَهم من دُخولِ مَكةَ للحَجِّ، ويَدلُّ على ذلك قَولُ اللهِ تَعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً﴾ [التوبة: ٢٨] الآيةَ، وإنَّما كانَت خَشيةَ العَيلةِ لانقِطاعِ تلك المَواسمِ بمَنعِهم من الحَجِّ؛ لأنَّهم كانُوا يَنتفِعونَ بالتِّجاراتِ التي كانَت في مَواسمِ الحَجِّ (٣).

ثالِثًا: عَدمُ التَّعرُّضِ لهم في عَقيدتِهم وعِبادَتِهم:

إنَّ مِنْ مُقتَضى عَقدِ الذِّمةِ ألَّا يَتعرَّضَ المُسلِمونَ لأهلِ الذِّمةِ في عَقيدتِهم وأداءِ عِبادتِهم دونَ إظهارِ شعائِرِهم، فعَقدُ الذِّمةِ إقرارُ الكُفارِ على كُفرِهم بشَرطِ بَذلِ الجِزيةِ والتِزامِ أَحكامِ المِلةِ، وإذا كانَ هناك احتِمالُ


(١) «الأحكام السلطانية» للماوردي ص (١٨٨).
(٢) «الأشباه والنظائر» لابن نجيم ص (٣٦٩)، و «أحكام القرآن» الجصاص (٤/ ٢٧٩)، و «البدائع» (٥/ ١٢٨)، و «الهداية» (٤/ ٩٥)، و «أحكام أهل الذمة» (١/ ١٤١) وما بعدَها.
(٣) «أحكام القرآن» الجصاص (٤/ ٢٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>