للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويَمينٍ؟ وهل تَرجُحُ بيِّنةُ أحَدِهما بزِيادةِ العَدالةِ أو لا تَرجُحُ؟ وبَيانُ ذلك في ثَلاثِ مَسائِلَ:

المَسألةُ الأُولى: تَرجيحُ إِحدى البَيِّنتَينِ بزِيادةِ العَددِ:

اختَلفَ الفُقهاءُ فيما لو اختَلفَ اثنانِ في شَيءٍ وأتى كلُّ واحِدٍ منهما ببَيِّنةٍ إلا أنَّ بيِّنةَ أحَدِهما أكثَرُ من الآخَرِ، كأنْ أَتى أحَدُهما بشاهِدَينِ والآخَرُ بأربَعةٍ أو أكثَرَ هل تَرجُحُ بيِّنةُ مَنْ أَتى بأكثَرَ أو تَتساوَيانِ ولا عِبرةَ بكَثرةِ الشُّهودِ؟

فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ في المَشهورِ والشافِعيةُ في المَذهبِ والحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّه إذا كانَت بيِّنةُ أحَدِهما شاهِدَينِ وبَيِّنةُ الآخَرِ أربَعةً أو أكثَرَ؛ فإنَّهما مُتعارِضتانِ ولا تَرجُحُ بكَثرةِ العَددِ؛ لأنَّ عَددَ الشُّهودِ أمرٌ مُقدَّرٌ في الشَّرعِ، وما قُدِّرَ في الشَّرعِ لا يَدخلُ الاجتِهادُ فيه كالدِّيةِ لمَّا قُدِّرَت في الشَّرعِ لم يَجُزْ أنْ يَدخُلَ فيها الاجتِهادُ، باختِلافِ المَقتولِ في الطُّولِ والعَرضِ والقِصرِ.

وذهَبَ عبدُ المَلكِ بنُ الماجِشونِ ومُطرِّفٌ من المالِكيةِ -وهو رِوايةٌ عن مالِكٍ- والشافِعيةُ في قَولٍ حُكيَ عن الشافِعيِّ في القَديمِ، وهو قَولٌ مُخرَّجٌ عندَ الحَنابِلةِ إلى أنَّه تَرجُحُ البَيِّنةُ بكَثرةِ عَددِ الشُّهودِ؛ لأنَّ أحَدَ الخَبَرينِ يَرجُحُ بذلك، فكذلك الشَّهادةُ؛ لأنَّها خبَرٌ، ولأنَّ الشَّهادةَ إنَّما اعتُبِرَت لغَلبةِ الظَّنِّ بالمَشهودِ به، وإذا كثُرَ العَددُ أو قوِيَت العَدالةُ كانَ الظَّنُّ به أَقوى (١).


(١) «الهداية» (٣/ ١٧٣)، و «تبيين الحقائق» (٤/ ٣١٦)، و «البناية شرح الهداية» (٩/ ٤٠٠، ٤٠١)، و «العناية» (١١/ ٤٠١)، و «الجوهرة النيرة» (٦/ ١٠٦)، و «اللباب» (٢/ ٤٢٥)، و «الدر المختار» (٥/ ٥٧٦)، و «التاج والإكليل» (٥/ ١٩٤، ١٩٥)، و «شرح مختصر خليل» (٧/ ٢٣٠)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٦/ ١٤٧، ١٤٨)، و «تحبير المختصر» (٥/ ١٩٨، ١٩٩)، و «البيان» (١٣/ ١٦٥، ١٦٦)، و «المغني» (١٠/ ٢٤٨)، و «كشاف القناع» (٦/ ٤٩٨)، و «شرح منتهى الإرادات» (٦/ ٦١٣)، و «مطالب أولي النهى» (٦/ ٥٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>