للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالغَصبِ استقَرَّ الضَّمانُ عليه ولم يَرجِعْ على أحدٍ، وإنْ غرَّمَهما رجَعا على الغاصِبِ بما غرِما من القيمةِ والأجرِ؛ لأنَّهما دخَلا على ألَّا يَضمَنا شَيئًا من ذلك، ولم يَحصُلْ لهما بَدلٌ عما ضَمِنا، وإنْ علِما أنَّها مَغصوبةٌ استقَرَّ الضَّمانُ؛ لأنَّ التَّلفَ حصَلَ تحتَ أيديهما من غيرِ تَغريرٍ بهما، فاستقَرَّ الضَّمانُ عليهما، فإنْ غرِما شَيئًا لم يَرجِعا به، وإنْ غرِمَ الغاصِبُ رجَعَ عليهما؛ لأنَّ التَّلفَ حصَلَ في أَيديهما، وإنْ جرَحَها الغاصِبُ ثم أودَعَها أو رَدَّها إلى مالِكِها فتلِفَت بالجُرحِ استقَرَّ الضَّمانُ على الغاصِبِ بكلِّ حالٍ؛ لأنَّه هو المُتلِفُ فكانَ الضَّمانُ عليه، كما لو باشَرَها بالإِتلافِ في يَدِه (١).

المسألةُ الخامِسةُ: إذا أعارَ الغاصِبُ المَغصوبَ عندَ آخَرَ فتلِفَ:

نَصَّ جُمهورُ الفُقهاءِ على أنَّ الغاصِبَ إذا أعارَ المَغصوبَ فتلِفَ عندَ الآخَرِ فإنَّ المالِكَ مُخيَّرٌ بينَ تَضمينِ الاثنَينِ، الغاصِبِ والمُستَعيرِ، ويَستقِرُّ الضَّمانُ على المُستَعيرِ عندَ الشافِعيةِ والحَنابِلةِ، وعندَ الحَنفيةِ إذا ضمَّنَ أَحدَهما لا يَرجعُ على الآخَرِ.

قالَ الحَنفيةُ: لو أَعارَه الغاصِبُ فهلَكَ في يَدِ المُستعيرِ يَتخيَّرُ المالِكُ، وأيَّهما ضمَّنَ لا يَرجعُ بالضَّمانِ على صاحِبِه.

أمَّا الغاصِبُ فلا شَكَّ فيه؛ لأنَّه أعارَ مِلكَ نَفسِه فهلَكَ في يَدِ المُستَعيرِ، وأمَّا المُستَعيرُ فلأنَّه استَفادَ مِلكَ المَنفَعةِ فلم يَتحقَّقِ الغَررُ (٢).


(١) «المغني» (٥/ ١٥٨)، و «الكافي» (٢/ ٤٠٦، ٤٠٧)، و «كشاف القناع» (٤/ ١٢٧).
(٢) «بدائع الصنائع» (٧/ ١٤٥)، و «درر الحكام» (٢/ ٤٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>