اختَلفَ الفُقهاءُ في حُكمِ الغِناءِ -بدونِ الآلاتٍ المُحرَّمةِ- هل هو مُباحٌ أو مَكروهٌ؟ بعدَ اتِّفاقِهم على أنَّ الغِناءَ إذا كانَ مَصحوبًا بآلةٍ مُحرَّمةٍ كالطُّنبورِ والمِزمارِ والعُودِ فإنَّه حَرامٌ، إلا قَولًا للشافِعيةِ بأنَّه مَكروهٌ.
فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ الغِناءَ -بدونِ الآلاتٍ المُحرَّمةِ- مَكروهٌ وليسَ بحَرامٍ ولا مُباحٍ.
قال الحَنفيةُ: تُردُّ شَهادةُ مَنْ يُغنِّي للناسِ؛ لأنَّه يَجمَعُ الناسَ على الكَبيرةِ، واختُلفَ فيما لو كانَ لإزالةِ الوَحشةِ عن نَفسِه من غيرِ أنْ يُسمِعَ غَيرَه على قَولَينِ:
أحَدُهما: أنَّه لا يَجوزُ.
والثانِي: وهو الصَّحيحُ أنَّه يَجوزُ لإِزالةِ الوَحشةِ عن نَفسِه.
ورُويَ أنَّ عبدَ الرَّحمنِ بنَ عَوفٍ جاءَ إلى بَيتِ عُمرَ ﵁، فسمِعَ عُمرَ يَترنَّمُ في بَيتِه، فدَعاه فخرَجَ إليه عُمرُ خَجِلًا، فقالَ له: أسمِعتَني يا عبدَ الرَّحمنِ؟ قالَ: نَعمْ، قالَ له: إنا إذا خَلَونا قُلنا ما يَقولُ الناسُ، أتَدري ما كُنْتُ أقولُ؟ قالَ: لا، قالَ: إنِّي قُلتُ:
لم يَبْقَ من شَرفِ العُلا إلا التَّعرُّضُ للحُتوفِ
فلأرمِيَنَّ بمُهجَتي بَينَ الأسِنةِ والسُّيوفِ
ومنهم مَنْ جوَّزَه في عُرسٍ، أو وَليمةٍ، ومنهم من جوَّزَه ليَستَفيدَ به نَظمَ