أولًا: أنْ يَكونَ الاستِثناءُ مُتصلًا باليَمينِ:
نصَّ فُقهاءُ المَذاهبِ الأربعةِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ في المَذهبِ على أنَّه يُشتَرطُ أن يَكونَ الاستِثناءُ مُتصِلًا باليَمينِ بحيثُ لا يَفصِلُ بينَهما كَلامُ أَجنبيٍّ ولا يَسكُتُ بينَهما سُكوتًا يُمكنُه الكَلامُ فيه، فأما السُّكوتُ لانقِطاعِ نفَسِه أو صَوتِه أو عيٍّ أو عارضٍ مِنْ عَطشِه أو شَيءٍ غيرِها فلا يَمنعُ صِحةَ الاستِثناءِ وثُبوتُ حُكمِه؛ لأنَّ النَّبيَّ ﷺ قالَ: «مَنْ حلَفَ فاستَثنَى» (١) وهذا يَقتَضي كونَه عقيبَه ولأنَّ الاستِثناءَ مِنْ تَمامِ الكَلامِ فاعتُبِرَ اتِّصالُه به كالشَّرطِ وجَوابِهِ وخبَرِ المُبتدأِ والاستِثنَاءِ بإلا، ولأنَّ الحالِفَ إذا سكَتَ ثبَتَ حُكمُ يَمينِه وانعَقدَت مُوجبةً لحُكمِها وبعدَ ثُبوتِه لا يُمكِنُ دَفعُه ولا تَغييرُه، قالَ أَحمدُ: حَديثُ النَّبيِّ ﷺ لعبدِ الرَّحمنِ بنِ سَمرةَ «إذا حلَفتَ على يَمينٍ فرَأيتَ غيرَها خَيرًا منها فكفِّرْ عن يَمينِك» ولَم يَقلْ «فاستَثنِ» ولَو جازَ الاستِثناءُ في كلِّ حالٍ لَم يَحنثْ حانِثٌ به.
ولأنَّ عُرفَ الناسِ في الكَلامِ المُنفصِلِ أنْ يَكونَ مُخالفًا للكَلامِ المُتصلِ، ألَا تَراه لو قالَ لعَبدِه: «أنتَ حرٌّ»، وسكَتَ، ثم قالَ بعدَ زَمانٍ: «إنْ دخَلتَ الدارَ»، عُتقَ بالكَلامِ الأولِ، ولَم يَكنْ ما ذكَرَه مِنْ دُخولِ الدارِ شَرطًا، ولو قالَ له: «عليَّ عَشرةُ دَراهمَ» وسكَتَ ثم قالَ بعدَ وَقتٍ: «إلا خَمسةً» لَم يَكنْ ذلك استِثناءً ولزِمَته العَشرةُ، لاستِقرارِ حُكمِ الكَلامِ بالسُّكوتِ عليه، كذلك الاستِثناءُ بمَشيئةِ اللهِ تَعالى.
(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٣٢٦٢)، والنسائي (٣٧٩٣)، وأحمد (٦٤١٤).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute