للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنَّ مَحبَّةَ الوَلدِ لوالِدِه لمَّا كانَتْ لمَنافعَ تَصلُّ إليه مِنْ جِهتِه لا لعَينِه، فربَّما يَقتلُ الوالدَ ليَتعجَّلَ الوُصولَ إلى أملاكِه، لا سيَّما إذا كانَ لا يَصلُ النفعُ إليه مِنْ جِهتِه لعَوارضَ، ومثلُ هذا يَندرُ في جانبِ الأبِ (١).

كَيفيةُ القِصاصِ في النَّفسِ: (قَتلُ القاتِلِ بما قتَلَ به):

اختَلفَ الفُقهاءُ في كَيفيةِ القِصاصِ مِنْ القاتِلِ، هل يُقتَصُّ منه بمِثلِ ما قتَلَ به القتيلَ، فإذا قتَلَه حَرقًا فإنه يُحرقُ بالنارِ، وإذا قتَلَه غَرقًا فإنه يُغرقُ بالماءِ مَثلًا؟ أم لا قِصاصَ إلا بالسَّيفِ؟

بعدَ اتِّفاقِهم جَميعًا على أنَّ أهلَ القَتيلِ إذا قَتَلوهُ بالسَّيفِ جازَ، وأيضًا اتَّفقُوا على أنه إذا قتَلَه بالسَّيفِ لا يَجوزُ قَتلُه إلا بالسَّيفِ، لكنَّ الخِلافَ هل إذا قتَلَه بغيرِ السَّيفِ يُقتلُ بمِثلِ ما قتَلَه؟ أم لا بُدَّ مِنْ السَّيفِ؟

فذهَبَ الحَنفيةُ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنه لا قِصاصَ إلا بالسَّيفِ، سَواءٌ قتَلَه به أو بغَيرِه مِنْ المُحدَّدِ أو النارِ؛ لقَولِ النبيِّ : «لا قَوَدَ إلا بالسَّيفِ» (٢)، وهذا تَنصيصٌ على نفيِ وُجوبِ القَودِ واستيفاءِ القَودِ بغيرِ السَّيفِ، والمُرادُ بالسَّيفِ السلاحُ؛ وذلكَ لأنَّ المُرادَ مِنْ السِّلاحِ في الاستِيفاءِ الحَديدُ المُحدَّدُ كالخِنجرِ والسكِّينِ، وإنما كَنَّى بالسَّيفِ عن السِّلاحِ لأنَّ المُعَدَّ للقِتالِ على الخُصوصِ مِنْ بينِ الأسلِحةِ السَّيفُ؛. فإنه لا يُرادُ به لشَيءٍ آخَرَ سِوى القِتالِ، وقد يُرادُ بسائرِ الأسلِحةِ مَنافعُ سِواهُ،


(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ٢٣٥).
(٢) حَدِيثٌ ضَعِيفٌ: رواه ابن ماجه في «سننه» (٢٦٦٧، ٢٦٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>