وحَديثُ عِمرانَ بنِ الحُصينِ يَدورُ على زُهيرِ بنِ مُحمدٍ عن أَبيه، وأَبوه مَجهولٌ لمْ يَروِ عنه غيرُ ابنِه وزُهيرٌ أيضًا عندَه مَناكيرُ ولكنَّه خرَّجَه مُسلِمٌ مِنْ طَريقٍ عُقبةَ بنِ عامرٍ، وقد جَرتْ عادةُ المالِكيةِ أنْ يَحتجُّوا لمالكٍ في هذه المَسألةِ بمَا رُويَ أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ«رَأى رَجلًا قائمًا في الشَّمسِ فقالَ: «ما بالُ هذا؟» قالوا: «نذَرَ ألَّا يَتكلمَ ولا يَستظلَّ ولا يَجلسَ ويصومُ» فقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: «مُروه فليَتكلمْ وليَجلسْ وليُتمَّ صيامَه» قالوا فأمَرَه أنْ يُتمَّ ما كانَ طاعةً للهِ ويَتركَ ما كانَ مَعصيةً، وليسَ بالظاهر أنَّ تَركَ الكَلامِ مَعصيةٌ، وقد أخبَرَ اللهُ أنَّه نَذرُ مَريمَ، وكذلك يُشبهُ أنْ يَكونَ القيامُ في الشَّمسِ ليسَ بمَعصيةٍ إلا ما يَتعلقُ بذلك مِنْ جِهةِ إِتعابِ النَّفسِ، فإنْ قيلَ فيه مَعصيةٌ، فبالقياسِ لا بالنَّصِّ، فالأصلُ فيه أنَّه مِنْ المُباحاتِ» (١).
القِسمُ الثانِي: النَّذرُ المُطلَقُ أو المُبهَمُ:
النَّذرُ المُطلقُ أو المُبهمُ مِثلُ أنْ يَقولَ: للهِ عليَّ نَذرٌ، أو إنْ شَفى اللهُ مَريضي فعليَّ نَذرٌ ولمْ يُسمِّ شَيئًا يَلزمُه ولمْ تَكنْ له نيةٌ بشيءٍ تخصَّصَ بزَمنٍ أو مَحلٍّ فهذا عندَ جَماهيرِ الفُقهاءِ صَحيحٌ ولازمٌ.
وقالَ الإِمامُ ابنُ رُشدٍ ﵀: «اتفَقُوا على لُزومِ النَّذرِ المُطلقِ في القُربِ إلا ما حُكيَ عن بعضِ أَصحابِ الشافِعيِّ أنَّ النَّذرَ المُطلَقَ لا يَجوزُ، وإنَّما اتفَقُوا على لُزومِ النَّذرِ المُطلَقِ إذا كانَ على وَجهِ الرِّضا لا على وَجهِ اللِّجاج وصرَّحَ فيه بلَفظِ النَّذرِ لا إذا لمْ يُصرحْ، وسَواءٌ كانَ النَّذرُ مُصرَّحًا