للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخَذ بالثَّمنِ الزَّائِدِ أخَذ بالرِّبا، وإنْ أخَذ بالنَّاقِصِ أخَذ بأوكَسِهما، وهذا مِنْ أعظَمِ الذَّرائِعِ إلى الرِّبا، وهو أبعَدُ كُلَّ البُعدِ مِنْ حَمْلِ الحَديثِ على البَيعِ بمِئةٍ مُؤجَّلةٍ أو خَمسينَ حالَّةٍ، وليسَ ههُنا رِبًا ولا جَهالةٌ ولا غَرَرٌ ولا قِمارٌ ولا شَيءٌ مِنْ المَفاسِدِ؛ فإنَّه خَيَّرَه بينَ أيِّ الثَّمنَيْنِ شاءَ، وليسَ هذا بأبعَدَ مِنْ تَخييرِه بعدَ البَيعِ بينَ الأخْذِ والإمضاءِ ثَلاثةَ أيَّامٍ، وأيضًا فإنَّه فرَّق بينَ عَقدَيْنِ، كُلٌّ مِنهما ذَريعةٌ ظاهِرةٌ جِدًّا إلى الرِّبا، وهُما السَّلَفُ والبَيعُ والشَّرطانِ في البَيعِ، وهَذانِ العَقدانِ بينَهما مِنْ النَّسَبِ والإخاءِ والتَّوسُّلِ بهما إلى أكْلِ الرِّبا ما يَقتَضي الجَمعَ بينَهما في التَّحريمِ؛ فصَلَواتُ اللَّهِ وسَلامُه على مَنْ كَلامُه الشِّفاءُ والعِصمةُ والهُدَى والنُّورُ (١).

بَيعُ المُلامَسةِ والمُنابَذةِ:

اتَّفق الفُقهاءُ على حُرمةِ بَيعِ المُلامَسةِ والمُنابَذةِ، وعلى أنَّه بَيعٌ فاسِدٌ؛ لِحَديثِ عامِرِ بنِ سَعدٍ أنَّ أبا سَعيدٍ أخبَرَه أنَّ رَسولَ اللَّهِ نهَى عن المُنابَذةِ، وهي طَرحُ الرَّجُلِ ثَوبَه بالبَيعِ إلى الرَّجُلِ قبلَ أنْ يُقلِّبَه أو يَنظُرَ إليه، ونهَى عن المُلامَسةِ، والمُلامَسةُ لَمسُ الثَّوبِ لا يَنْظُرُ إليه (٢)، ولأنَّ في كلِّ واحِدٍ مِنْ هذه البُيوعِ تَعليقَ المِلْكِ بالخَطَرِ، وهو مِنْ بَيعِ الغَرَرِ والقِمارِ؛ لأنَّه إذا لَم يَتأمَّلْ ما اشتَراه، ولَم يَعلَم صِفَتَه، لا يَدرِي حَقيقَتَه، وهو مِنْ أكلِ المالِ بالباطِلِ، وهو مِنْ بُيوعِ الجاهِليَّةِ.


(١) «إعلام الموقعين» (٣/ ١٤٩، ١٥٠).
(٢) رواه البخاري (٢١٤٤)، ومسلم (١٥١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>