للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ الإِمامُ الماوَرديُّ : فإذا ثبَتَ أنَّ إِجازةَ الوَرثةِ في حالِ الحَياةِ غيرُ لازِمةٍ فالأوْلى لهم إِمضاءُ ما أَجازوه؛ لأنَّ في ذلك صِدقًا في قَولٍ ووَفاءً بوَعدٍ وبُعدًا من غَدرٍ، وطاعةً للمَيتِ وبِرًّا للحَيِّ، وكذلك لو أَجازوا وَصيتَه لبعضِ وَرثتِه في حَياتِه، وسَواءٌ أشهَدَ عليهم بالإِجازةِ أو لم يُشهِدْ (١).

الحالةُ الثانيةُ: أنْ يُجيزوا في مَرضِ المُوصي المَخوفِ:

اختَلفَ الفُقهاءُ فيما لو أَجازَ الوَرثةُ الوَصيةَ للوارِثِ أو ما زادَ على الثُّلثِ في مَرضِ المُوصي، ثم أَرادَ بعضُهم أو جَميعُهم أنْ يَرجعَ بعدَ مَوتِ المُوصي هل له ذلك أو لا؟

فذهَبَ الإِمامُ مالِكٌ إلى أنَّ المُوصيَ إذا أَوصَى لوَرثتِه أو بزائِدٍ على الثُّلثِ واستَأذنَ الوَرثةَ في ذلك وهو مَريضٌ فأذِنوا له وهو مَريضٌ مَحجورٌ عن أكثَرَ من ثُلثِه لزِمَهم ما أَجازوا من ذلك؛ لأنَّه يُحجَبُ عن مالِه بحَقِّهم فيَجوزُ ذلك عليهم.

ولأنَّ الرَّجلَ إذا كانَ صَحيحًا فهو أحَقُّ بمالِه كلِّه يَصنعُ فيه ما شاءَ، فإذا أذِنوا له في صِحتِه فقد تَرَكوا شَيئًا لم يَجبْ لهم، وذلك بمَنزِلةِ الشَّفيعِ يَتركُ شُفعتَه قبلَ البَيعِ، أو بمَنزِلةِ الوَليِّ إذا عَفا عمَّن قتَلَ وَليَّه، فتَركُه لمَا لم يَجِبْ له غيرُ لازِمٍ، فإذا أذِنوا له في مَرضِه فقد تَرَكوا ما وجَبَ لهم من الحَقِّ، فليسَ لهم أنْ يَرجِعوا فيه إذا كانَ قد أنفَذَه؛ لأنَّه قد فاتَ فإنْ لم يُنفِذِ المَريضُ ذلك كانَ للوارِثِ الرُّجوعُ فيه؛ لأنَّه لم يَفُتْ بالتَّنفيذِ (٢).


(١) «الحاوي الكبير» (٨/ ٢٢٩).
(٢) «شرح صحيح البخاري» (٨/ ١٥٢، ١٥٣)، و «التمهيد» (١٤/ ٣٠٨)، و «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٥/ ١٥٧)، رقم (١٩٠٧)، و «مختصر اختلاف العُلماء» (٥/ ٥، ٦)، و «تفسير القرطبي» (٢/ ٢٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>