للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورُوي عن الإمامِ أحمدَ أنَّه سُنةٌ لا يَجبُ بتَركِه دَمٌ، ورُوي ذلك عن ابنِ عَباسٍ وأنسٍ وابنِ الزُّبيرِ وابنِ سِيرينَ، لقولِ اللهِ تَعالى: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ [البقرة: ١٥٨]، ونَفيُ الحَرجِ عن فاعلِه دَليلٌ على عَدمِ وُجوبه، فإنَّ هذا رُتبةُ المُباحِ، وإنَّما ثبَتت سُنِّيتُه بقولِ اللهِ : ﴿مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾، ورُوي أنَّ في مُصحفِ أُبيٍّ وابنِ مَسعودٍ: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَلَّا يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ (١)، وهذا وإنْ لم يَكنْ قُرآنًا فلا يَنحَطُّ عن رُتبةِ الخَبرِ؛ لأنَّهما يَرويانِه عن النَّبيِّ ، ولأنَّه نُسكٌ ذو عَددٍ لا يَتعلَّقُ بالبَيتِ، فلم يَكنْ رُكنًا كالرَّميِ (٢).

وقتُ السَّعيِ:

أمَّا وقتُه الأصليُّ فيومُ النَّحرِ بعدَ طَوافِ الزِّيارةِ، لا بعدَ طَوافِ القُدومِ، إلا أنَّه رُخِّصَ السَّعيُ بعدَ طَوافِ القُدومِ وجُعلَ ذلك وقتًا له تَرفيهًا بالحاجِّ وتَيسيرًا له لِازدِحامِ الأشغالِ له يومَ النَّحرِ، فأمَّا وقتُه الأصليُّ فيومُ النَّحرِ عُقيبَ طَوافِ الإفاضةِ؛ لِما قُلنا.

وأمَّا آخِرُ وقتِه فليس له آخِرٌ، إلا أنَّ الفُقهاءَ اختلَفوا في حُكمِه إذا تأخَّر عن وقتِه الأصليِّ، وهو أيامُ النَّحرِ بعدَ طَوافِ الزِّيارةِ.

فمَذهبُ الحَنفيةِ بيَّنه الإمامُ الكاسانيُّ الحَنفي بقولِه: فإنْ كان لم يَرجعْ إلى أهلِه فإنَّه يَسعَى ولا شيءَ عليه؛ لأنَّه أتى بما وجَب عليه، ولا يَلزمُه بالتَّأخيرِ


(١) رواه ابن أبي داود في «كتاب المصاحف» ص (٦٣) في مصحف أُبّي بن كعب وأيضًا من مصحف عبدِ الله بن عَباسٍ ص (٨٣) في نفسِ المَصدرِ.
(٢) «المغني» (٤/ ٥٧٨، ٥٧٩)، و «الفروع» (٣/ ٥٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>