مَسألتِنا لا يُسمَّى غيرُ المُسكِرِ مُسكرًا، فلمْ يَفتقرْ إلى ذِكرِ نَوعِه، ولا يَفتقرُ في الشهادةِ إلى ذِكرِ عدمِ الإكراهِ ولا ذِكرِ عِلمِه أنه مُسكرٌ؛ لأنَّ الظاهرَ الاختِيارُ والعِلمُ، وما عَداهُما نادرٌ بَعيدٌ، فلمْ يُحتَجْ إلى بَيانِه، ولذلكَ لم يُعتبَرْ ذلكَ في شيءٍ مِنْ الشهاداتِ، ولم يُعتبِرْه عُثمانُ في الشهادةِ على الوَليدِ ابنِ عُقبةَ، ولا اعتبَرَه عُمرُ في الشهادةِ على قُدامةَ بنِ مَظعونٍ، ولا في الشهادةِ على المُغيرةِ بنِ شُعبةَ، ولو شَهدَا بعِتقٍ أو طَلاقٍ لم يَفتقرْ إلى ذِكرِ الاختيارِ، كذا هاهُنا (١).
الثالثُ: وُجودُ رائحةِ الخَمرِ:
اختَلفَ الفُقهاءُ في حَدِّ شُربِ الخَمرِ، هل يَثبتُ بوُجودِ رائحةِ الخَمرِ مِنْ فِيهِ أم لا يَثبتُ؟
فذهَبَ المالِكيةُ والإمامُ أحمَدُ في رِوايةٍ إلى أنه إنْ شَهدَ شاهِدانِ أنَّ رائِحةَ فمِه خَمرٌ فإنه يُحَدُّ، وكذلكَ يُحدُّ لو شَهدَ عليه عَدلانِ بأنَّ رائِحةَ فَمِه رائحةُ مُسكِرٍ وشَهدَ عدلانِ آخَرانِ أنه ليسَ برائحةِ مُسكرٍ؛ لأنَّ الشهادةَ المُثبِتةَ تُقدَّمُ على النافيةِ، وهذه الشهادةُ مُثبِتةٌ.
لِما رواهُ الإمامُ مالكٌ عن ابنِ شِهابٍ عن السائِبِ بنِ يَزيدَ أنه أخبَرَه «أنَّ عُمرَ بنَ الخطَّابِ خرَجَ عليهِم فقالَ: إني وَجدْتُ مِنْ فُلانٍ ريحَ شَرابٍ فزعَمَ
(١) «المغني» (٩/ ١٣٩)، و «الهداية» (٢/ ١١١)، و «شرح فتح القدير» (٥/ ٣١٢)، و «الجوهرة النيرة» (٥/ ٣٥٣)، و «شرح مختصر خليل» (٨/ ١٠٩)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٦/ ٣٦٨)، و «تحبير المختصر» (٥/ ٤٠٠)، و «النجم الوهاج» (٩/ ٢٣٢)، و «مغني المحتاج» (٥/ ٥١١).