للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنْ قُلنا: إنَّ إِجازةَ الوَرثةِ ابتِداءُ عَطيةٍ منهم ففيه وَجهانِ:

أَحدُهما: قالَ الشَّيخانِ أَبو حامِدٍ وأَبو إِسحاقَ: لا يَصحُّ ذلك إلا بما تَصحُّ به الهِبةُ من الإِيجابِ والقَبولِ، والإذْنِ بالقَبضِ، والقَبضِ.

والثاني: قالَ القَفَّالُ والمَسعوديُّ وابنُ الصَّباغِ: يَكفيه لَفظُ الإِجازةِ على القَولَينِ؛ لأنَّ الشافِعيَّ قالَ في جَميعِ كُتبِه: (إذا أَجازَ الوَرثةُ ذلك كانَت عَطيةً)، ولأنَّ النَّبيَّ قالَ: «لا وَصيةَ لوارِثٍ إلا أنْ يُجيزَ الوَرثةُ» فعلَّقَها على الإِجازةِ، فدَلَّ على أنَّهم إذا أَجازوها بلَفظِ الإِجازةِ صَحَّ (١).

إذا أَجازَ بعضُ الوَرثةِ في حَياتِه هل لهم رَدُّه بعدَ وَفاتِه:

إذا أَجازَ الوَرثةُ الوَصيةَ للوارِثِ أو ما زادَ على الثُّلثِ للأَجنبيِّ في حَياةِ المُوصي فهذا لا يَخلو من حالتَينِ.

الحالةُ الأُولى: أنْ يُجيزوا في حالِ صِحةِ المُوصي:

اتَّفقَ فُقهاءُ المَذاهبِ الأربَعةِ وغيرُهم وحَكى ابنُ عبدِ البَرِّ الإِجماعَ على أنَّ الوَرثةَ إذا أَجازوا الوَصيةَ للوارِثِ أو بما زادَ على الثُّلثِ في حَياةِ المُوصي وهو صَحيحٌ لم يَلزَمْهم ذلك، ويَجوزُ لهم الرُّجوعُ فيما أَجازوه بعدَ مَوتِ المُوصي.

قالَ الإِمامُ ابنُ عبدِ البَرِّ: وأَجمَعوا على أنَّهم لو أَجازوا ذلك وهو صَحيحٌ لم يَلزَمْهم (٢).


(١) «البيان» (٨/ ١٥٦، ١٥٧).
(٢) «التمهيد» (١٤/ ٣٠٨)، و «مختصر اختلاف العُلماء» (٥/ ٥، ٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>