للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبالجُملةِ العملُ لا يُشكُّ أنَّه قَرينةٌ إذا اقتَرنَت بالشَّيءِ المَنقُولِ إن وافَقَته أفادَت به غلَبةَ الظَّنِّ، وإن خالَفَته أفادَت به ضَعفَ الظَّنِّ. فأمَّا هل تَبلُغُ هذه القَرينةُ مَبلَغًا تُردُّ به أَخبارُ الآحادِ الثَّابِتةُ ففيه نَظرٌ، وعَسى أنَّها تَبلغُ في بعضٍ، ولا تَبلغُ في بعضٍ؛ لتَفاضُلِ الأَشياءِ في شدَّةِ عُمومِ البَلوى بها، وذلك أنَّه كلَّما كانَت الحاجةُ إلى السُّنةِ أمسَّ، وهي كَثيرةُ التَّكرارِ على المُكلَفينَ، كانَ نَقلُها مِنْ طَريقِ الآحادِ مِنْ غيرِ أن يَنتشِرَ قَولًا أو عمَلًا فيه ضَعفٌ، وذلك أنَّه يُوجِبُ ذلك أحَد أمرَينِ، إما أنَّها مَنسوخةٌ، وإمَّا أنَّ النَّقلَ فيه اختِلالٌ، وقد بيَّنَ ذلك المُتكلِّمونَ، كأبي المَعالي وغيرِه (١).

إلا أنَّهمُ اختَلَفوا في مَسائلَ، منها:

١ - حكمُ جَمعِ التَّقديمِ والتَّأخيرِ:

فذهَبَ المالِكيةُ والشافِعيةُ في الجَديدِ إلى جَوازِ جَمعِ التَّقديمِ فقط، دونَ جَوازِ جَمعِ التَّأخيرِ؛ لأنَّ استِدامةَ المَطرِ ليسَت مُؤكَّدةً، فقد يَنقطِعُ المَطرُ فيؤدِّي إلى إخراجِ الصَّلاةِ عن وقتِها مِنْ غيرِ عُذرٍ.

وذهَبَ الحَنابلَةُ والشافِعيُّ في القَديمِ إلى جَوازِ جَمعِ التَّأخيرِ بسَببِ المَطرِ، وإن كانَ جَمعُ التَّقديمِ أَولى؛ لأنَّه عُذرٌ يَجوزُ الجَمعُ به في وقتِ الأُولَى؛ فجازَ الجَمعُ في وقتِ الثانيةِ كالسَّفرِ (٢).


(١) «بداية المجتهد» (١/ ٢٤٤، ٢٤٥).
(٢) «بداية المجتهد» (١/ ٢٤٥)، و «الاستذكار» (٢/ ٢١٠، ٢١٣)، و «الشرح الصغير» (١/ ٣٢٢)، و «جواهر الإكليل» (١/ ٩٢)، و «شرح مختصر خليل» (٢/ ٧٠)، و «المجموع» (٥/ ٤٩٤، ٤٩٩)، و «مُغني المحتاج» (١/ ٢٧٤)، و «فتح الباري» لابن رجب (٣/ ٩١)، و «المغني» (٢/ ٥٠٩، ٥١٠)، و «الإنصاف» (٢/ ٣٣٥)، و «الإفصاح» (١/ ٢٢٣، ٣٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>