للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأرادَ الرَّدَّ فله ذلك إنْ صدَّقه البائِعُ أنَّ الشِّراءَ له أو قامَتْ به بيِّنةٌ، وإنْ كذَّبه ولَم تَكُنْ به بيِّنةٌ، فحلَفه البائِعُ أنَّه لا يَعلَمُ أنَّ الشِّراءَ له، فليسَ له رَدُّه؛ لأنَّ الظَّاهِرَ أنَّ مَنِ اشترَى شَيئًا فهو له، ويَلزَمُ الوَكيلَ، وعليه غَرامةُ الثَّمنِ، وهذا كلُّه مَذهبُ الشَّافِعيِّ.

وقالَ أبو حَنيفةَ: لِلوَكيلِ شِراءُ المَعيبِ؛ لأنَّ التَّوكيلَ في البَيعِ مُطلَقًا يُدخِلُ المَعيبَ في إطلاقِه، ولأنَّه أمينُه في الشِّراءِ، فجازَ له شِراءُ المَعيبِ، كالمُضارِبِ.

ولَنا: أنَّ البَيعَ بإطلاقِه يَقتَضِي الصَّحيحَ دونَ المَعيبِ، فكَذلك الوَكالةُ فيه، ويُفارِقُ المُضارَبةَ مِنْ حيثُ إنَّ المَقصودَ فيها الرِّبحُ، والرِّبحُ يَحصُلُ مِنْ المَعيبِ، كَحُصولِه مِنْ الصَّحيحِ، والمَقصودُ مِنْ الوَكالةِ شِراءُ ما يَقتَضِي أو يَدفَعُ به حاجَتَه، وقَد يَكونُ العَيبُ مانِعًا مِنْ قَضاءِ الحاجةِ به، ومِن قِنيَتِه، فلا يَحصُلُ المَقصودُ، وقَد ناقَضَ أبو حَنيفةَ أصلَهُ؛ فإنَّه قالَ في قَوله تَعالى: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ [النساء: ٩٢]: لا تَجوزُ العَمياءُ ولا مَعيبةٌ عَيبًا يَضُرُّ بالعَملِ، وقالَ: ههُنا يَجوزُ لِلوَكيلِ شِراءُ الأعمَى والمُقعَدِ ومَقطوعِ اليدَيْنِ والرِّجلَيْنِ (١).

ثانيًا: تَقييدُ الوَكالةِ بالشِّراءِ:

إذا قَيَّدَ المُوكِّلُ الوَكيلَ بقُيودٍ مُعيَّنةٍ وجَب عليه أنْ يَلتزِمَ بها، ولا يَجوزَ له أنْ يَتعَدَّاها عندَ تَنفيذِ الوَكالةِ باتِّفاقِ العُلماءِ، وهذا في الجُملةِ، إلَّا أنْ


(١) «المغني» (٥/ ٨٠)، و «كشاف القناع» (٣/ ٥٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>