للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النوعُ الثالثُ: اليَمينُ المُنعقِدةُ:

اليَمينُ المُنعقِدةُ: وهي الحَلفُ على الأَمرِ المُستَقبل أنْ يَفعلَه أو لا يَفعلَه، فإذا حنِثَ في ذلك لزِمَته الكَفارةُ (١).

وقد أجمَعَ أَهلُ العِلمِ على أنَّ اليَمينَ المُنعقِدةَ هي التي تَكون في المُستَقبل حتى يَتمكَّنَ الحالِفُ مِنْ البِرِّ بيَمينِه، أما إن كانَت على ماضٍ فذهَبَ العُلماءُ إلى عَدمِ الكَفارةِ؛ لأنَّ الحالِفَ إما أنْ يَكونَ يَحلفُ صادِقًا فلا كَفارةَ، أو كاذِبًا وهي اليَمينُ الغَموسُ كما تَقدَّمَ؛ لقولِه تَعالى: ﴿لَا

يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٨٩)[المائدة: ٨٩].

والمُرادُ منها اليَمينُ في المُستَقبلِ بدَليلِ قولِه تَعالى: ﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾ [المائدة: ٨٩]، ولا يُتصوَّرُ الحِفظُ عن الحِنثِ والهَتكِ إلا في المُستَقبلِ، ولأنَّ اللهَ تَعالى قالَ: ﴿بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾ [المائدة: ٨٩] والعَقدُ يَقتضِي ارتِباطَ الكَلامِ بالكَلامِ على وَجهٍ يَتعَلقُ بهما حُكمٌ فيَصيرُ عَقدًا شَرعيًّا كسائرِ العُقودِ الشَّرعيةِ، ولأنَّه تَعالى قالَ: ﴿وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا﴾ [النحل: ٩١]، والنَّقضُ يَكونُ في مَوضعِ العَقدِ، وهذا إنَّما يُتصوَّرُ في المُستَقبلِ (٢).

وقد نُقلَ الإِجماعِ على ذلك.


(١) «تبيين الحقائق» (٣/ ١٠٩)، و «الجوهرة النيرة» (٦/ ٧)، و «درر الحكام» (٥/ ١٧٠).
(٢) «تبيين الحقائق» (٣/ ١٠٩)، و «البحر الرائق» (٤/ ٣٠٣)، و «درر الحكام» (٥/ ١٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>