للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ القاضي وأصحابُه: لا يَصحُّ، وعَلَّلَه ابنُ عَقيلٍ بأنَّ المُشتَرِيَ رَهَنَ ما لا يَملِكُ؛ فلَم يَصحَّ، كَما لَو شرطَ أنْ يَرهَنَه عَبدًا لِغَيرِه يَشتَريه ويَرهَنُه، وهذا تَعليلٌ باطِلٌ؛ فإنَّه إنَّما حَصَلَ الرَّهنُ بعدَ مِلْكِه، واشتِراطُه قبلَ المِلْكِ لا يَكونُ بمَنزِلةِ رَهنِ المِلْكِ.

والفَرقُ بينَ هذه المَسألةِ وبَينَ اشتِراطِ رَهنِ عَبدِ زَيدٍ أنَّ اشتِراطَ رَهنِ عَبدِ زَيدٍ غَرَرٌ، قد يُمكِنُ، وقَد لا يُمكِنُ، بخِلافِ اشتِراطِ رَهنِ المَبيعِ على ثَمنِهِ؛ فإنَّه إنْ تَمَّ العَقدُ صارَ المَبيعُ رَهنًا، وإنْ لَم يَتمَّ تَبيَّنَّا أنَّه لا ثَمنَ يَحبِسُ عليه الرَّهنَ، فلا غَرَرَ ألبتَّةَ؛ فالمَنصوصُ أفقَهُ وأصَحُّ، وهذا على أصْلِ مَنْ يَقولُ لِلبائِعِ: حَبْسُ المَبيعِ على ثَمنِه ألزَمُ، وهو مَذهَبُ مالِكٍ وأبي حَنيفَةَ، وهو أحَدُ قَولَيِ الشَّافِعيِّ، ومَذهَبُ بَعضِ أصحابِ الإمامِ أحمدَ، وهو الصَّحيحُ، وإنْ كانَ خِلافَ مَنصوصِ أحمدَ؛ لأنَّ عَقدَ البَيعِ يَقتَضِي استِواءَهُما في التَّسلُّمِ والتَّسليمِ، ففي إجبارِ البائِعِ على التَّسليمِ قبلَ حُضورِ الثَّمنِ وتَمكينِه مِنْ قَبضِة إضرارٌ بهِ؛ فإذا كانَ ملكَ حَبَسَه على ثَمنِه مِنْ غيرِ شَرطٍ، فلَأنْ يَملِكَه مع الشَّرطِ أَوْلَى وأحْرَى، فقولُ القاضي وأصحابِه مُخالِفٌ لِنَصِّ أحمدَ، والقِياسِ؛ فإنْ شرطَ أنْ يَقبِضَ المُشتَرِي المَبيعَ ثم يَرهَنَه على ثَمنِه عندَ بائِعِه، فأَوْلَى بالصِّحَّةِ (١).

لَو شرطَ على الصَّانِعِ أنْ يَعمَلَ بنَفْسِهِ:

إذا سَلَّمَ صاحِبُ العَينِ إلى الأجيرِ العَينَ لكي يَعمَلَها، وأطلَقَ لَه، يَجوزُ لِلأجيرِ أنْ يَعمَلَها بنَفْسِه، ولَه أنْ يَستَأجِرَ مَنْ يَعمَلُها؛ لأنَّ المُستَحقَّ عليه


(١) «إعلام الموقعين» (٤/ ٣٢، ٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>