للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الإِمامُ ابنُ هُبيرةَ : اتَّفقُوا على أنَّ الوَديعةَ أَمانةٌ مَحضةٌ، وأنَّها مِنْ القُربِ المَندوبِ إليها، وأنَّ في حِفظِها ثَوابًا، وأنَّ الضَّمانَ لا يَجبُ على المُودَعِ إلا بالتَّعدِّي (١).

فأما إنْ تَعدَّى المُستودَعُ فيها أو فرَّطَ في حِفظِها فتلِفَت ضمِنَ بغَيرِ خِلافٍ بينَ العُلماءِ؛ لأنَّه مُتلِفٌ لمالِ غَيرِه فضمِنَه، كما لو أتلَفَه مِنْ غَيرِ استِيداعٍ.

إذا تلِفَت الوَديعةُ مِنْ بينِ مالِه:

اختَلفَ الفُقهاءُ في الوَديعةِ إذا تلِفَت أو سُرقَت أو ضاعَت مِنْ بينِ مالِ المُودَعِ دونَ أنْ يَتأثرَ مالُه بذلك، هل يَضمنُها أم لا؟

فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ الوَديعةَ أَمانةٌ مُطلقًا، ولا يَضمنُها المُودَعُ إلا إذا تَعدَّى أو فرَّطَ، فإذا تلِفَت الوَديعةُ أو سُرقَت بلا تَعدٍّ منه ولا تَفريطٍ ولو مِنْ بينِ مالِه ولمْ يَتأثرْ مالُه بذلك فلا ضمانَ عليه، ولأنَّ الأَصلَ في حِفظِ الوَديعةِ أنَّه مَعروفٌ وإِحسانٌ مِنْ الوَديعِ، فلو ضمَّنَّاه الوَديعةَ مِنْ غيرِ تَعدٍّ ولا عُدوانٍ منه لَزهِدَ النَّاسُ في قَبولِها ورغِبوا عنها ولَتعطَّلَت مَصالحُهم.


(١) «الإفصاح» (٢/ ٥)، ويُنْظَر: «بدائع الصنائع» (٦/ ٢١٠، ٢١١)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ١٤٩)، و «اللباب» (١/ ٦٤٣)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٥/ ١٢٠، ١٢١)، و «الحاوي الكبير» (٨/ ٣٥٦)، و «المهذب» (١/ ٣٥٩)، و «البيان» (٦/ ٤٧٦)، و «مغني المحتاج» (٤/ ١٣٥)، و «المغني» (٦/ ٣٠٠)، و «شرح منتهى الإرادات» (٤/ ٢٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>