للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولاً: الإقرارُ بشُربِ الخَمرِ:

اتَّفقَ أهلُ العِلمِ على أنَّ مَنْ أقَرَّ على نَفسِه مَرتينِ عندَ الإمامِ أنه شَربَ الخَمرَ المُسكِرَ ولم يَرجعْ عن إقرارِه فإنه يُقامُ عليه الحَدُّ بمُوجَبِ إقرارِه، فإنْ رجَعَ قُبلَ منه ولا يُقامُ عليه الحدُّ.

قالَ الإمامُ ابنُ حَزمٍ : واتَّفقوا أنه إنْ أقَرَّ مرَّتينِ كما قُلنا في إقرارِه بالزِّنا وثبَتَ أنه يُحَدُّ (١).

واختَلفُوا هل يُقبلُ إذا أقَرَّ مَرةً واحِدةً أم لا؟

فذهَبَ عامَّةُ أهلِ العِلمِ خِلافًا لأبي يُوسفَ إلى أنه يَكفي الإقرارُ مرَّةً واحِدةً، قالَ ابنُ قُدامةَ : في قَولِ عامَّةِ أهلِ العِلمِ؛ لأنه حَدٌّ لا يَتضمنُ إتلافًا، فأشبَهَ حَدَّ القَذفِ، وإذا رجَعَ عن إقرارِه قُبلَ رُجوعُه؛ لأنه حَدٌّ للهِ سُبحانَه، فقُبلَ رُجوعِه فيه كسائرِ الحُدودِ، ولا يُعتبَرُ مع الإقرارِ وُجودُ رائحةٍ.

وحُكيَ عن أبي حَنيفةَ: «لا حَدَّ عليهِ إلا أنْ تُوجَدَ رائحةٌ»، ولا يَصحُّ؛ لأنه أحَدُ بيِّنتَي الشُربِ، فلمْ يُعتبَرْ معه وُجودُ الرائحةِ كالشهادةِ، ولأنه قد يُقِرُّ بعدَ زَوالِ الرائحةِ عنهُ، ولأنه إقرارٌ بحَدٍّ، فاكتُفيَ به كسائرِ الحُدودِ (٢).


(١) «مراتب الإجماع» ص (١٣٣).
(٢) «المغني» (٩/ ١٣٨)، و «الهداية» (٢/ ١١١)، و «شرح فتح القدير» (٥/ ٣١٢)، و «الجوهرة النيرة» (٥/ ٣٥٣)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٦/ ٣٦٨)، و «تحبير المختصر» (٥/ ٤٠٠)، و «النجم الوهاج» (٩/ ٢٣٢)، و «مغني المحتاج» (٥/ ٥١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>