اختَلفَ الفُقهاءُ فيما إذا لم يَشترِطِ الواقفُ ناظِرًا على الوَقفِ، بأنْ أغفَلَ ذلكَ، لمَن يَكونُ النَّظرُ حِينئذٍ؟
الواقفُ إذا لم يَجعلْ لوَقفِه ناظِرًا:
أ- إمَّا أنْ يَكونَ الوَقفُ على مُعيَّنٍ مالِكٍ لأمرِ نَفسِه أو جَمعٍ مَحصورٍ، فحِينئذٍ هو الذي يَحوزُه ويَتولَّاهُ؛ لأنه مِلكُه يَختصُّ بنَفعِه، فكانَ نَظرُه إليهِ كمِلكِه المُطلَقِ، فإنْ كانَ واحِدًا استَقلَّ به مُطلَقًا، وإنْ كانوا جَماعةً فهو بينَهُم على قَدرِ حِصَصِهم، وإنْ كانَ صَغيرًا أو نَحوَه قامَ وَليُّه مَقامَه، وبهذا قالَ المالِكيةُ والحَنابلةُ في المَذهبِ والشافِعيةُ في قَولٍ.
وذهَبَ الشافِعيةُ في المَذهبِ وهو احتِمالٌ للحَنابلةِ اختارَه ابنُ أبي موسى إلى أنَّ النَّظَرَ يَكونُ للقاضي أو الحاكِمِ؛ لأنَّ له النَّظرَ العامَّ، فكانَ أَولى بالنَّظرِ فيهِ، ولأنَّ المِلكَ في الوَقفِ للهِ تعالى.
ب- وإلَّا بأنْ كانَ الوَقفُ على غيرِ مُعيَّنٍ كالفُقراءِ والمَساكينِ والمَساجِدِ ونَحوِها، أو على مَنْ لا يُمكِنُ حَصرُهم واستيعابُهم، فالنَّظرُ فيهِ إلى الحاكِمِ أو نائِبِه؛ لأنه ليسَ له مالكٌ مُعيَّنٌ يَنظرُ فيهِ ويَتعلَّقُ به حقُّ المَوجودينَ ومَن يَأتي بَعدَهم، ففُوِّضَ الأمرُ فيهِ إلى الحاكِمِ، وللحاكِمِ أنْ يَستنيبَ فيه؛ لأنَّ الحاكِمَ لا يُمكنُه تَولِّي النَّظرِ بنَفسِه، وحِينئذٍ يَكونُ للحاكمِ أنْ يُقدِّمَ له مَنْ يَرتَضيه، وهذا مَذهبُ المالِكيةِ والحَنابلةِ.