أجمعَ العُلماءُ على مَشروعيَّةِ الصَّلاةِ على النَّبيِّ ﷺ في التشهُّدِ، إلا أنَّهمُ اختَلَفوا: هلِ الصَّلاةُ على النَّبيِّ ﷺ فَرضٌ من فُروضِ الصَّلاةِ؟ أو سُنَّةٌ مِنْ سُننِ الصَّلاةِ؟
فذَهب الحَنفيَّةُ والمالِكيَّةُ وأحمدُ في رِوايةٍ إلى أنَّ الصَّلاةَ على النَّبيِّ ﷺ بعدَ التشهُّدِ سُنَّةٌ من سُننِ الصَّلاةِ، وليست واجِبةً، وحُجَّتُهم في ذلك حَديثُ الحَسنِ بنِ الحُرِّ عن القاسِمِ بنِ مُخَيمِرةَ قالَ: أخذَ عَلقَمةُ بيَدِي فحَدَّثَني أنَّ عَبد اللهِ بنَ مَسعودٍ أخذَ بيَدِه وقالَ: إنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ أخذَ بيَدي كما أخَذتُ بيَدِكَ، فعلَّمني التشهُّدَ فقالَ:«قُلِ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلواتُ وَالطَّيِّباتُ، السَّلَامُ عَلَيكَ أَيُّهَا النَّبيُّ وَرَحمَةُ اللَّهِ وَبَرَكاتُه، السَّلَامُ عَلَينَا وَعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشهَدُ أن لا إِلَهَ إلا اللهُ، وَأَشهَدُ أنَّ مُحمَّدًا عَبدُهُ وَرَسولُه. قالَ: فإذا قَضيتَ هذا، أو قالَ: فإذا فَعَلتَ هذا، فقد قَضيتَ صَلاتَكَ، إن شِئتَ أن تَقُومَ فَقُم، وإن شِئتَ أن تَقعُدَ فاقعُد»(١)، ولأنَّ الصَّلاةَ على النَّبيِّ لو كانَت واجِبةً لبيَّن ذلك وذكرَه.
(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٩٦٨، ٩٧٠)، وأحمد (٤٠٠٦)، وابن حبَّان في «صحيحه» (١٩٦١) إلا أنَّ قول: «إن شِئتَ أن تَقُومَ فَقُم، وإن شِئتَ أن تَقعُدَ فاقعُد»، الصَّحيح من قول ابن مسعود -كما قالَ ابن حِبَّان وغيره- إنما أدرَجَه زُهَير، أحد رُواة الحَديثِ، قالَ ابن حِبَّان ﵀: ذكر «البيان» بأن قوله: فإذا قلتَ هذا فقد قضيتَ ما عليكَ، إنما هو قول ابن مسعود، ليس من كلام النبي ﷺ، أدرَجَه زُهَير في الخبر: أخبَرَنا أبو يَعلى قالَ: حدثنا غسان بن الربيع قالَ: حدثنا ابن ثَوبان عن الحَسَن ابن الحُرِّ عن القاسِم بن مُخيمِرَةَ قالَ: أخَذَ عَلقَمةُ بيَدي وأخَذَ ابن مسعود بيد عَلقَمة، وأخَذ النبيُّ ﷺ بيَدِ ابنِ مسعود، فعَلَّمَه التَّشَهُّدَ: التَّحيَّاتُ لله، والصَّلواتُ والطَّيباتُ، السَّلامُ عَليكَ أيُّها النَّبيُّ ورَحمةُ اللهِ وبَرَكاتُه، السَّلامُ علينا وعلى عِبادِ اللهِ الصَّالِحينَ، أشهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأشهَدُ أنَّ مُحمدًا عَبدُه ورَسولُه. قالَ عَبد اللهِ بنُ مسعود: فإذا فَرَغتَ من هذا فقد فَرَغت من صلاتك، فإن شئتَ فاثبُت، وإن شِئتَ فانصَرِف.