للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحالةُ الثانيةُ: أنْ تكونَ بالِغةً بِكرًا:

اختَلفَ الفُقهاءُ في البِكرِ البالِغةِ العاقِلةِ، هلْ يجوزُ للأبِ إجبارُها على النكاحِ بغيرِ إذنِها كالصغيرةِ؟ أم لا يَجوزُ إلا برِضاها؟

فذهَبَ جُمهورُ الفقهاءِ المالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ للأبِ أنْ يُجبِرَ ابنتَه الكبيرةَ البِكرَ على النكاحِ إذا زوَّجَها مِنْ كُفءٍ ولمْ يَكنْ ضَررًا بَيِّنًا، ومعنَى الإجبارِ أنْ يُباشِرَ العقدَ فيَنفذَ عليها شاءَتْ أو أبَتْ؛ وذلكَ لأنه لمَّا كانَ له أنْ يُزوِّجَها وهي صغيرةٌ كانَ له أنْ يُزوِّجَها وهي كبيرةٌ إذا كانَتْ بِكرًا؛ لأنَّ العلَّةَ البُكورةُ؛ لأنَّ الأبَ ليسَ كسائرِ الأولياءِ، بدليلِ تصرُّفهِ في مالِها ونَظرِه لها وأنه غيرُ مُتَّهَمٍ عليها، ولو لمْ يَجُزْ له أنْ يزوِّجَها وهي بكرٌ بالِغٌ إلا بإذنِها ما جازَ له أنْ يزوِّجَها صغيرةً، كما أنَّ غيرَ الأبِ لمَّا لمْ يَكنْ له أنْ يُزوِّجَها بِكرًا بالغًا إلا بإذنِها لم يَكنْ له أنْ يزوِّجَها صغيرةً، فلو احتِيجَ إلى إذنِها في الأبِ ما زوَّجَها حتَّى تكونَ مِمَّنْ لها الإذنُ بالبلوغِ، فلمَّا أجمَعُوا على أنَّ للأبِ أنْ يزوِّجَها صغيرةً وهي لا إذنَ لها صَحَّ بذلكَ أنَّ له أنْ يزوِّجَها بغير إذنِها كائِنةً ما كانَتْ بكرًا؛ لأنَّ الفرقَ إنما ورَدَ بينَ الثيِّبِ والبكرِ على ما في الحديثِ.

ومِن حُجَّتِهم أيضًا قولُه : «تُستأْمَرُ اليَتيمةُ في نَفسِها، فإنْ سكَتَتْ فقدْ أَذنَتْ، وإنْ أنكَرَتْ لم تُكرَهْ» (١)، فقولُه : «تُستأْمَرُ


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٢٠٩٣)، والنسائي (٣٢٧٠)، وأحمد (١٩٦٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>