للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقَولُ النَّبيِّ : «الإِسلامُ يَعلو ولا يُعلى عليه» فمنَعَ هذا الخبَرُ مِنْ أنْ يَكونَ في الإِسلامِ وِلايةٌ لغيرِ مُسلمٍ.

ولأنَّ الفاسقَ مِنْ المُسلِمينَ أَحسنُ حالًا مِنْ الكافرِ لجَريانِ أَحكامِ الإسلام عليه، فلمَّا منَعَ الفِسقُ مِنْ وِلايةِ القَضاءِ كانَ أَولى أنْ يَمنعَ منه الكُفرُ. ولأنَّ كلَّ مَنْ لمْ تَصحَّ وِلايتُه في العُمومِ لمْ تَصحَّ وِلايتُه في الخُصوصِ كالصَّبيِّ والمَجنونِ طردًا، وكالمُسلمِ العَدلِ عَكسًا. فأمَّا الآيةُ فمَحمولةٌ على المُوالاةِ دونَ الوِلايةِ. وأمَّا وِلاياتهُم في مَناكِحهم فلأنَّهم مالِكونَ لها فلمْ يُعترضْ عليهم فيها.

وأمَّا العُرفُ الجارِي مِنْ الوُلاةِ في تَقليدِهم فهو تَقليدُ زَعامةٍ ورِياسةٍ، وليسَ بتَقليدِ حُكمٍ وقَضاءٍ، وإنما يَلزمُ حُكمُه أَهلَ دينِه لالتِزامِهم له لا للُزومِه لهم. ولا يَقبلُ الإِمامُ قَولَه فيما حكَمَ به بينهم. وإذا امتنَعُوا مِنْ تَحاكمِهم إليه لمْ يُجبَروا عليه وكانَ حُكمُ الإِسلامِ عليهم أَنفذَ» (١).

الشَّرطُ الثانِي: العَقلُ:

أجمَعَ أَهلُ العِلمِ على أنَّه يُشترطُ في القاضِي أنْ يَكونَ عاقلًا فلا تَصحُّ وِلايةُ المَجنونِ.

قالَ ابنُ فَرحونَ : «وشُروطُ القَضاءِ التي لا يَتمُّ القَضاءُ إلا بها ولا تَنعقدُ الوِلايةُ ولا يُستدامُ عَقدُها إلا معَها عَشرةٌ: الإِسلامُ، والعَقلُ … فلا تَصحُّ مِنْ الكافرِ اتفاقًا ولا المَجنونِ».


(١) «الحاوي الكبير» (١٦/ ١٥٧، ١٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>