للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكذلك يَجوزُ لِمَنْ في يَدِه أرضٌ خَراجيَّةٌ أنْ يُزارِعَ فيها؛ لأنَّه بمَنزِلةِ المُستَأجِرِ لَها، ولِلمَوقوفِ عليه أنْ يُزارِعَ في الوَقفِ ويُساقيَ على شَجرِهِ؛ لأنَّه إمَّا مالِكٌ لِرَقَبةِ ذلك، أو بمَنزِلةِ المالِكِ، ولا نَعلَمُ في هذا خِلافًا عندَ مَنْ أجازَ المُساقاةَ والمُزارَعةَ، واللَّهُ أعلمُ (١).

حُكمُ استِئجارِ الأشجارِ مِنْ أجْلِ الثَّمرِ:

ذَهَبَ جُمهورُ فُقهاءِ المَذاهبِ الأربَعةِ الحَنفيَّةُ والمالِكيَّةُ والشافِعيَّةُ والحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّه لا يَصحُّ استِئجارُ الأشجارِ بأُجرةٍ مَعلومةٍ؛ لِاستِيفاءِ ثَمرِها؛ لأنَّ ذلك يُؤدِّي إلى بَيعِ الثَّمرةِ قبلَ بُدُوِّ صَلاحِها، وهو لا يَجوزُ؛ ولأنَّها أعيانٌ بِيعَتْ قبلَ الوُجودِ.

وَلأنَّ الثَّمرةَ عَينٌ لا يَجوزُ استِحقاقُها بعَقدِ الإجارةِ، فإنَّه يَجوزُ بَيعُها بعدَ الوُجودِ، وإنَّما يَستَحقُّ بقَدْرِ الإجارةِ ممَّا لا يَجوزُ بَيعُه بعدَ الوُجودِ، ولأنَّ مَحَلَّ الإجارةِ المَنفَعةُ، وهي عَرضٌ لا يَقومُ بنَفْسِه، ولا يُتصوَّرُ بَقاؤُها، والثَّمرةُ تَقومُ بنَفْسِها، كالشَّجرةِ، فكَما لا يَجوزُ أنْ يَتملكَ الشَّجرةَ بعَقدِ الإجارةِ، فكذلك الثَّمرةُ؛ ولأنَّ المُؤاجِرَ يَلتَزِمُ ما لا يَقدِرُ على إبقائِه، فرُبَّما تُصيبُ الثَّمرةَ آفةٌ وليسَ في وُسعِ البَشَرِ مَنعُها، وكذلك ألبانُ الغَنَمِ وصُوفُها وسَمنُها ووَلَدُها، كلُّ ذلك عَينٌ يَجوزُ بَيعُه، فلا يُتَمَلَّكُ بعَقدِ الإجارةِ.

قالَ ابنُ مُفلِحٍ والمَرداوِيُّ -رحمهما الله-: لا تَجوزُ إجارةُ أرضٍ وفيها


(١) «المغني» (٥/ ٢٣٨)، و «المبدع» (٥/ ٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>