للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلكَ الحُكمُ في قتالِ أهلِ القِبلةِ عندَ جُمهورِ الفُقهاءِ، وقالَ أبو حَنيفةَ: إنِ انهَزمَ الخارِجيُّ أو الباغي إلى فِئةٍ اتُّبعَ، وإنْ انهَزمَ إلى غيرِ فئةٍ لم يُتبعْ.

قالَ أبو عُمرَ: أجمَعَ العُلماءُ على أنَّ مَنْ شَقَّ العَصا وفارَقَ الجَماعةَ وشهَرَ على المُسلمينَ السِّلاحَ وأخافَ السَّبيلَ وأفسَدَ بالقَتلِ والَّسلبِ فقَتلُهم وإراقةُ دِمائِهم واجبٌ؛ لأنَّ هذا مِنْ الفَسادِ العَظيمِ في الأرضِ، والفَسادُ في الأرضِ مُوجِبٌ لإراقةِ الدماءِ بإجماعٍ، إلا أنْ يَتوبَ فاعلُ ذلكَ مِنْ قبلِ أنْ يُقدَرَ عليهِ، والانهزامُ عندَهم ضربٌ مِنْ التوبةِ، وكذلكَ مَنْ عجَزَ عن القتالِ لم يُقتلْ إلا بما وجَبَ عليهِ قبلَ ذلك.

ومِن أهلِ الحَديثِ طائِفةٌ تَراهُم كفَّارًا على ظواهرِ الأحادِيثِ فيهم، مثلَ قولِه: «مَنْ حمَلَ علينا السِّلاحَ فليسَ منَّا»، ومثلَ قولِه: «يَمرُقونَ مِنْ الدِّينِ»، وهي آثارٌ يُعارِضُها غيرُها فيمَن لا يُشركُ باللهِ شَيئًا ويريدُ بعَملِه وجْهَه وإنْ أخطَأَ في حُكمِه واجتهادِه، والنَّظرُ يَشهدُ أنَّ الكُفرَ لا يكون إلا بضِدِّ الحالِ التي يكونُ بها الإيمانُ؛ لأنهما ضِدَّانِ (١).

إذا استَعانَ أهلُ البَغيِ بالكافرِ على قِتالِ المسلمينَ:

إذا استَعانَ أهلُ البغيِ بالكفَّارِ فلا يَخلو مِنْ ثَلاثةِ أصنافٍ:

أحَدُها: أهلُ الحَربِ:

قالَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والشافِعيةُ والحَنابلةُ: إذا استَعانَ البغاةُ بأهلِ الحَربِ أو آمَنُوهم أو عَقَدوا لهم ذِمةً لم يَصحَّ واحدٌ منهُم؛ لأنَّ الأمانَ


(١) «التمهيد» (٢٣/ ٣٣٧، ٣٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>