للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها ما لا أثَرَ لِلصَّومِ فيه، كوَجعِ الضِّرسِ وجُرحٍ في الأُصبُعِ والدُّمَّلِ والقُرحةِ اليَسيرةِ والجَرَبِ وأشباهِ ذلك، فلم يَصلُحِ المَرضُ ضابِطًا، وأمكَن اعتبارُ الحِكمةِ وهو ما يُخافُ منه الضَّررُ، فوجَب اعتِبارُه.

قال ابنُ قُدامةَ : فإنْ تَحمَّلَ المَريضُ وصامَ مع هذا فقد فعَل مَكروهًا، لِما يَتضمَّنُه من الإضرارِ بنَفسِه، وتَركِه تَخفيفَ اللهِ تَعالى، وقَبولَ رُخصتِه، ويَصحُّ صَومُه ويُجزِئُه؛ لأنَّه عَزيمةٌ ترَكها رُخصةً، فإذا تَحمَّله أجزأه كالمَريضِ الذي يُباحُ له تَركُ الجُمُعةِ إذا حضَرها، والذي يُباحُ له تَركُ القيامِ إذا قامَ فيها (١).

الصَّحيحُ الذي يَخافُ المَرضَ:

تقدَّم أنَّ شِدَّةَ المَرضِ تُجيزُ الفِطرَ لِلمَريضِ إلا أنَّ الفُقهاءَ اختَلفُوا في الصَّحيحِ إذا خافَ الشِّدَّةَ أو التَّعَبَ هل يُباحُ له الفِطرُ أو لا؟

فذهَب جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيَّةُ والمالِكيَّةُ في قَولٍ والشافِعيَّةُ والحَنابِلةُ في الجُملةِ عندَهم أنَّ الصَّحيحَ إذا خاف المَرضَ بغَلبةِ الظَّنِّ بأمارةٍ وتَجرِبةٍ أو بإخبارِ طَبيبٍ أنَّ له الفِطرَ.

قال الحَنفيَّةُ: إنْ خاف الصَّحيحُ المَرضَ بغَلبةِ الظَّنِّ بأمارةٍ وتَجرِبةٍ، أو بإخبارٍ مِنْ طَبيبٍ حاذِقٍ مُسلِمٍ مَستورٍ فله الفِطرُ؛ فإنْ خافَه بمُجرَّدِ الوَهمِ فليس له الفِطرُ (٢).


(١) «المغني» (٤/ ٢١١)، و «الفروع» (٣/ ٢٠)، و «الإنصاف» (٣/ ٢٨٦)، و «كشاف القناع» (٢/ ٣١٠).
(٢) «الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه» (٢/ ٤٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>