وقال ابنُ رُشدٍ ﵀: والسَّببُ في اختِلافِهم: تَشبيهُ الكَفَّاراتِ بالحُدودِ، فمَن شَبَّهها بالحُدودِ قال: كَفَّارةٌ واحِدةٌ تُجزِئُ في ذلك عن أفعالٍ كَثيرةٍ، كما يَلزَمُ الزانيَ جَلدٌ واحِدٌ، وإنْ زَنى ألفَ مَرَّةٍ، إذا لم يُحَدَّ لِواحِدةِ منها.
ومَن لم يُشبِّهْها بالحُدودِ جعَل لكُلِّ واحِدٍ من الأيامِ حُكمًا مُنفرِدًا بنَفسِه في هَتكِ الصَّومِ فيه، أوجَب في كلِّ يَومٍ كَفَّارةً.
قالوا: والفَرقُ بينَهما أنَّ الكَفَّارةَ فيها نَوعٌ من القُربةِ، والحُدودُ زَجرٌ مَحضٌ (١).
إذا كرَّر الجِماعَ في يَومٍ من رَمضانَ مَرَّتَيْن:
ذهَب جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيَّةُ والمالِكيَّةُ والشافِعيَّةُ إلى أنَّ مَنْ وَطِئَ وكَفَّرَ، ثم عادَ فوَطِئَ في يَومِه ثانيًا أنَّه لا تَجِبُ عليه كَفَّارةٌ ثانيةٌ ولا شَيءَ عليه بذلك الجِماعِ الثاني؛ لأنَّه لم يُصادِفْ صَومًا مُنعقِدًا بخِلافِ الجِماعِ الأولِ. ولأنَّه لم يَمنَعْ صِحَّتَه فلم يُوجِبْ شَيئًا كالجِماعِ في اللَّيلِ.
وذهَب الحَنابِلةُ إلى أنَّه يَجِبُ عليه كَفَّارةٌ ثانيةٌ؛ لأنَّ الصَّومَ في رَمضانَ عِبادةٌ تَجِبُ الكَفَّارةُ بالجِماعِ فيها، فتَكرَّرت بتَكرُّرِ الوَطءِ إذا كان بعدَ التَّكفيرِ، كالحَجِّ، ولأنَّه وَطءٌ مُحرَّمٌ لِحُرمةِ رَمضانَ. فأوجَب الكَفَّارةَ كالأولِ.
قال ابنُ قُدامةَ ﵀: فإنْ قيلَ: الوَطءُ الأولُ تَضمَّنَ هَتكَ الصَّومِ، وهو مُؤثِّرٌ في الإيجابِ، لا يَصحُّ إلحاقُ غَيرِه به.
(١) «بداية المجتهد» (١/ ٤١٨)، وانظر: «المجموع» (٧/ ٥٥٨، ٥٥٩)، و «المغني» (٤/ ١٩٣)، و «الإفصاح» (١/ ٤٠٢).