للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمِن أعظَمِ فوائِدِها أن يُغنَى الإِنسانُ عن مُرادِ نَفسِه، وتَنقادَ بَهيمِيَّتُه لمِلكِيَّتِه، ويسلِّمَ وَجهَه للهِ، فإذا فعَلَ ذلك صارَ بمَنزِلةِ المَلائِكةِ في انتِظارِهم لِإلهامِ اللهِ تَعالى، فإذا أُلهِموا سَعَوا في الأمرِ بداعيةٍ إلهيَّةٍ، لا داعِيةٍ نَفسانيَّةٍ (١).

سَببُها (ما يُجرَى فيه الاستِخارةُ):

اتَّفقتِ المَذاهبُ الأربَعةُ على أنَّ الاستِخارةَ تَكونُ في الأُموِر التي لا يَدرِي العَبدُ وَجهَ الصَّوابِ فيها، أمَّا ما هو مَعروفٌ خَيرُه وشَرُّه كالعِباداتِ وصَنائعِ المَعروفِ والمَعاصي والمُنكَراتِ، فلا حاجَةَ إلى الاستِخارةِ فيها، إلا إذا أرادَ بَيانَ خُصوصِ الوقتِ، كالحَجِّ مثَلًا في هذه السَّنَةِ، لِاحتِمالِ عَدوٍّ أو فِتنةٍ، والرُّفقةِ فيه، أيُرافِقُ فُلانًا أم لا؟ وعلى هذا فالاستِخارةُ لا محَلَّ لها في الواجِبِ والحَرامِ والمَكروهِ، إنَّما تَكونُ في المَندوباتِ والمُباحاتِ، والاستِخارةُ في المَندوباتِ لا تَكونُ في أصلِه؛ لأنَّه مَطلوبٌ، وإنَّما تَكونُ عندَ التَّعارُضِ، أي: إذا تَعارَضَ عندَه أَمرانِ أيُّهما يَبدأُ به أو يَقتَصرُ عليه؟ أما المُباحُ فيُستَخارُ في أصلِه (٢).

الاستِشارةُ قبلَ الاستِخارةِ:

قالَ الإمامُ النَّوويُّ : يُستحبُّ أن يَستَشيرَ قبلَ الاستِخارةِ مَنْ يَعلَمُ مِنْ حالِه النَّصيحةَ والشَّفقةَ والخِبرةَ، ويَثِقُ بدِينِه ومَعرِفتِه، قالَ تَعالى:


(١) «حُجة الله البالغة» (١/ ٤٥٣، ٤٥٤).
(٢) «عُمدة القاري» (٧/ ٢٢٤)، و «الطَّحطاوي على مراقي الفلاح» (١/ ٢٦٣)، و «العَدَوي على الخَرَشي» (١/ ٣٦، ٣٧)، و «شرح مختصر خليل» (١/ ١٦٥)، و «المبدع» (٢/ ٢٥)، و «كشاف القناع» (١/ ٤٤٣)، و «شرح منتهى الإرادات» (١/ ٢٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>