ثالِثًا: أنْ يكونَ النُّشوزُ والشِّقاقُ مِنهما معًا:
اتَّفقَ الفُقهاءُ في الجملةِ على أنَّ الزَّوجَينِ إذا حصَلَ بينَهُما شِقاقٌ ونُشوزُ وادَّعى كلُّ واحدٍ منهُما على الآخرِ التَّعدِّي وأنَّه هوَ الَّذي ظلَمَه فإنَّه يُرفَعُ أمرُهُما للحاكمِ، على تَفصيلٍ بينَهم في ذلكَ.
قالَ الحنفيَّةُ: إذا اختَلفَ الزَّوجانِ وادَّعى النُّشوزَ وادَّعتْ هيَ عليهِ ظُلمَه وتَقصيرَهُ في حُقوقِها حِينئذٍ بعَثَ الحاكمُ حكَمًا مِنْ أهلِهِ وحكَمًا مِنْ أهلِها لِيَتولَّيَا النَّظرَ فيما بينَهُما ويَرُدَّا إلى الحاكمِ ما يَقِفانِ عليه مِنْ أمرِهِما، وإنَّما يوجَّهُ الحكَمانِ ليَعظَا الظَّالمَ منهُما ويُنكِرَا عليهِ ظُلمَه، وإعلامُ الحاكمُ بذلكَ ليأخُذَ هو على يدَهِ، فإنْ كانَ الزَّوجُ هو الظَّالمُ أنكَرَا عليهِ ظُلمَه وقالَا: «لا يَحِلُّ لكَ أنْ تُؤذيَها لتَختلعَ مِنْكَ»، وإنْ كانَتْ هي الظَّالمةَ قالَا لها: «قد حَلَّتْ لكَ الفِديةُ»، وكانَ في أخذِها مَعذورًا؛ لِمَا ظهَرَ للحكَمَينِ مِنْ نُشوزِها (١).
وقالَ المالكيَّةُ: إنْ أشكلَ الأمرُ فلم يُعلَمْ هل الضَّررُ مِنها أو منهُ؟ بأنْ ادَّعتِ الضَّررَ وتَكرَّرتْ شَكواها ولمْ تُثبِتْ ذلكَ، أو ادَّعى كلٌّ مِنهُما الضَّررَ وتَكرَّرتْ منهُ الشُّكوى ولم يَكنْ لهُ بينَةٌ أمَرَ الحاكمُ بسُكناها بينَ قَومٍ صالِحينَ إنْ لم تَكنْ بَينَهم؛ ليَظهرَ لهم الحالُ فيُخبِروا الحاكمَ بذي الضَّررِ، وإنْ كانَ ساكِنًا بها بَينَ قَومٍ صالِحينَ لم يُكلِّفْه نقْلَها عَنهم.
(١) «أحكام القرآن» (٣/ ١٥١، ١٥٤)، و «شرح فتح القدير» (٤/ ٢٤٤).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute