لا يُشترَطُ في العَملِ عندَ جُمهورِ الفُقهاءِ المالِكيَّةِ والشَّافِعيَّةِ والحَنابِلةِ أنْ يَكونَ مَعلومًا إذا كانَ مُتعَسِّرًا؛ فيَصحُّ أنْ يَكونَ العَملُ فيها مَجهولًا غيرَ مَعلومٍ، كَرَدِّ الآبِقِ، والضَّالَّةِ، فإنَّ مَسافةَ الآبِقِ والضَّالَّةِ غيرُ مَعلومةٍ، بخِلافِ الإجارةِ، فلا بدَّ مِنْ بَيانِ العَملِ.
فَإنْ قالَ: مَنْ رَدَّ عَبدِي فله كذا، أو مَنْ رَدَّ عَبدِي مِنْ مَوضِعِ كذا فله كذا، صَحَّ؛ لأنَّه إذا صَحَّ ذلك مَع جَهالةِ العَملِ، فلَأنْ يَصحَّ إذا كانَ العَملُ مَعلومًا أَوْلَى.
أمَّا إذا كانَ العَملُ مُتيسِّرًا يُمكِنُ ضَبطُه، كَحَفرِ بِئرٍ لِإخراجِ الماءِ، وبِناءِ حائِطٍ، فلا يَجوزُ عندَ المالِكيَّةِ في المَذهبِ، وبعضِ الشَّافِعيَّةِ، حتى يَعلَمَ به، ويَجوزُ عندَ الشَّافِعيَّةِ -على ما أطلَقَه الرَّافِعيُّ والنَّوَويُّ كما سَيَأْتي- والحَنابِلةِ، فلا فَرقَ عندَهم بينَ أنْ يَكونَ العَملُ مَجهولًا، أو مَعلومًا، مُتيسِّرًا أو مُتعسِّرًا.
قالَ القاضي عَبدُ الوَهَّابِ ﵀: يَجوزُ الجُعلُ على استِخراجِ المياهِ في الآبارِ، والعُيونِ، على صِفةٍ مَعلومةٍ، وعلى مَعرِفةِ بُعدِ الأرضِ وقُربِها وشِدَّتِها ولِينِها، فإنْ لَم يَعْرِفْ ذلك لَم يَجُزْ؛ لأنَّها مُعاوَضةٌ على عَمَلٍ مَجهولٍ، لا تَدْعو ضَرورةٌ إليه، وإنْ لَم يَأتِ الماءُ فلا شَيءَ له، إلَّا أنْ يَكونَ رَبُّ الدَّارِ قَدِ انتَفَعَ بشَيءٍ مِنْ عَملِه، فتَكونَ له الأُجرةُ بقَدْرِه (١).