للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّوكيلُ في الشَّهادةِ:

ذهَب جَماهيرُ أهلِ العِلمِ المالِكيَّةُ والشَّافِعيَّةُ والحَنابِلةُ إلى أنَّه لا يَصحُّ التَّوكيلُ في الشَّهادةِ؛ لأنَّها تَتعلَّقُ بعَينِ الشَّهادةِ؛ لِكَونِها خَبَرًا عَمَّا رَآه أو سمِعه، ولا يَتحقَّقُ هذا المعنَى في نائِبِه، فإنِ استَنابَ فيها كانَ النَّائِبُ شاهِدًا على شَهادَتِه؛ لِكَونِه يُؤدِّي ما سمِعه مِنْ شاهِدِ الأصْلِ، وليسَ وَكيلًا (١).

قالَ الشَّافِعيَّةُ: ولا يَصحُّ التَّوكيلُ في شَهادةٍ؛ لِبِنائِها على التَّعَبُّدِ واليَقينِ الذي لا يُمكِنُ النِّيابةُ فيه، ولأنَّا احتَطْنا فيها، ولَم يَقُمْ غيرُ لَفْظِها مَقامَها، فأُلحِقَتْ بالعِبادةِ، ولأنَّ الحُكمَ مَنوطٌ بعِلمِ الشَّاهِدِ، وهو غيرُ حاصِلٍ لِلوَكيلِ.

قالَ الخَطيبُ الشِّربينيُّ : فإنْ قيلَ: الشَّهادةُ على الشَّهادةِ باستِرعاءٍ ونحوِه جائِزةٌ، كما سَيَأتي، فهَلَّا كانَ هُنا كَذلك؟

أُجيبَ بأنَّ ذلك ليسَ بتَوكيلٍ، كما صرَّح به القاضي أبو الطَّيِّبِ، وابنُ الصَّبَّاغِ، بَلْ شَهادةٌ على شَهادةٍ؛ لأنَّ الحاجةَ جعَلتِ المُتحمِّلَ عنه بمَنزِلةِ الحاكِمِ المُؤَدَّى عنه عندَ حاكِمٍ آخَرَ (٢).

وأمَّا الحَنفيَّةُ فلَم أقِفْ لهم على قَولٍ في حُكمِ التَّوكيلِ في الشَّهادةِ.


(١) «المغني» (٥/ ٥٣)، و «الذخيرة» (٨/ ٥)، و «التاج والإكليل» (٣/ ١٩٧)، و «منح الجليل» (٦/ ٣٦٥).
(٢) «مغني المحتاج» (٣/ ١٩٧)، و «روضة الطالبين» (٣/ ٤٩٠)، و «نهاية المحتاج» (٥/ ٢٦)، و «النجم الوهاج» (٥/ ٣٢)، و «الديباج» (٢/ ٣٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>