للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختَلفَ أصحابُ مالِكٍ عنه، فقالَ ابنُ القاسِمِ كقَولِ أبي حَنيفةَ، وقالَ غيرُه: لا يَجبُ على الجاني الدُّخولُ مع العاقِلةِ.

وقالَ الشافِعيُّ: إنِ اتَّسعَتِ العاقِلةُ للدِّيةِ لم يَلزمِ الجانِيَ شَيءٌ، وإنْ لم تَتسِعِ العاقلةُ لها لَزمَه.

وقالَ أحمَدُ: لا يَلزمُه شَيءٌ، سَواءٌ اتَّسعَتِ العاقِلةُ لتَحمُّلِها أم لم تتَّسعْ، وعلى هذا فمَتى لم تَتسِعِ العاقلةُ لتحمُّلِ جَميعِ الدِّيةِ انتَقلَ باقي ذلكَ إلى بَيتِ المالِ، والأصلُ حَديثُ حُويصةَ ومَحيصةَ (١).

لماذا تَتحمَّلُ العاقِلةُ الدِّيةَ في قَتلِ الخَطأِ؟

الأصلُ وُجوبُ الدِّيةِ على الجاني نَفسِه؛ لأنَّ سبَبَ وُجوبِها هو القَتلُ وأنه وُجدَ منه، فكانَ يَنبغي أنْ يُؤاخَذَ هو بالدِّيةِ كما أنه يَتحمَّلُ ديَةَ العَمدِ وإتلافَ الأموالِ، لكنَّ الشارِعَ الحَكيمَ ترَكَ هذا الأصلَ في ديَةَ الخَطأِ بنَصِّ الحَديثِ أنه جعَلَها على العاقِلةِ كما تقدَّمَ.

والحِكمةُ في ذلكَ كما يَقولُ العُلماءُ: أنَّ جِناياتِ الخَطأِ تَكثرُ، وديَةُ الآدَميِّ كَثيرةٌ، فإيجابها على الجاني في مالِه يُجحِفُ به، فاقتَضَتِ الحِكمةُ إيجابَها على العاقِلةِ على سَبيلِ المُواساةِ للقاتلِ والإعانةِ له تَخفيفًا عنه إذا كانَ مَعذورًا في فِعلِه، ويَنفردُ هو بالكفَّارةِ (٢).


(١) «الإفصاح» (٢/ ٢٤٧، ٢٤٨).
(٢) «المغني» (٨/ ٢٩٧)، و «المبدع» (٨/ ٣٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>