وأمَّا عندَ مُحمدٍ فلأنَّ المُرتدَّ عندَه بمَنزِلةِ المَريضِ مَرضَ المَوتِ، وكَفالةُ المَريضِ مَرضَ المَوتِ لا تَصحُّ إلا مِنَ الثُّلثِ، والمُفاوضةُ تَقتَضي جَوازَ الكَفالةِ على الإطلاقِ.
وإنْ شارَك مُسلِمٌ مُسلِمًا ثم ارتَد أحَدُهما؛ فإنْ قُتِلَ أو مات أو لَحِق بدارِ الحَربِ بَطلت الشَّركةُ، وإنْ رجَع قبلَ ذلك فهُما على الشَّركةِ؛ لأنَّه إذا قُتِل أو مات أو لَحِق بدارِ الحَربِ زالَتْ أملاكُه عندَ أبي حَنيفةَ مِنْ حينِ ارتَدَّ، فكأنَّه ماتَ، فبَطلت شَركَتُه وإنْ أسلَم، فقد زالَ التَّوقُّفُ وجُعِل كأنَّ الرِّدَّةَ لَم تَكُنْ، ولِهذا قال أبو حَنيفةَ: إنَّ المُرتدَّ منهما إذا أقَرَّ ثم قُتِل لَم يَلزمْ إقرارُه شَريكَه؛ لأنَّ المِلكَ يُحكمُ بزَوالِه مِنْ وَقت الرِّدَّةِ فقد أقَرَّ بعدَ بُطلانِ الشَّركةِ.
وأمَّا على قَولِهما فإقرارُه جائِزٌ على شَريكِه وكذا بَيعُه وشِراؤُه؛ لأنَّ الشَّركةَ عندَهما إنَّما بَطلتْ بالقَتلِ، أو باللَّحاقِ فكانت باقيةً قَبلَ ذلك فنفَذ تَصرُّفُه وإقرارُه (١).
بَيانُ ما يَجوزُ لأحدِ شَريكَيِ المُفاوَضةِ وما لا يَجوزُ:
قد تَقدَّم في شَركةِ العِنانِ ما يَجوزُ وما لا يَجوزُ لكلِّ واحِدٍ مِنَ الشَّريكَيْن أنْ يَفعلَه في مالِ الشَّركةِ وذكَرتُ هناك ما يَجوزُ لشَريكَيِ المُفاوَضةِ.