وقال الحَنابِلةُ: وإنْ دفَع رَبُّ المالِ إلى المُضارِبِ ألفَيْن في وَقتَيْن بأنْ دفَع إليه ألفًا مُضارَبةً ثم دفَع إليه ألفًا أُخرى لَم يَخلِطْهما بغَيرِ إذنِ رَبِّ المالِ؛ لأنَّه أفرَد كلَّ واحِدٍ بعَقدٍ، فكانا عَقدَيْن، فلا تُجبَرُ وَضيعةُ أحَدِهما برِبحِ الآخَرِ، كما لو نَهاه عن ذلك.
فإنْ أذِنَ رَبُّ المالِ لِلمُضارِبِ في الخَلطِ قبلَ تَصرُّفِ المُضارِبِ في المالِ الأولِ جازَ وصارَ مُضاربةً واحِدةً، كما لو دفَعهما إليه مَرَّةً واحِدةً أو أذِن له في الخَلطِ بَعدَ التَّصرُّفِ وقد نَضَّ الأولُ جازَ وصارَ المالُ كلُّه مُضاربةً واحِدةً كما لو دفَعه إليه دُفعةً واحِدةً.
وإنْ أذِنَ له في الخَلطِ بعدَ تَصرُّفِه في الأولِ ولَم يَنِضَّه فلا يَجوزُ الخَلطُ؛ لأنَّ حُكمَ العَقدِ الأولِ استَقرَّ فكان رِبحُه وخُسرانُه مُختصًّا به فضَمُّ الآخَرِ إليه يُوجِبُ جُبرانَ خُسرانِ أحَدِهما برِبحِ الآخَرِ؛ فإذا شُرِط ذلك في الآخَرِ فسَد.
وإنْ لَم يأذنْ له في ضَمِّ الآخَرِ إلى الأولِ لَم يَجُزْ له ذلك؛ لأنَّه أفرَد كلَّ واحِدٍ بعَقدٍ فكانا عَقدَيْن لكلِّ عَقدٍ حُكمُ نَفْسِه، ولا تَجبُرُ وَضيعةُ أحَدِهما برِبحِ الآخَرِ كما لو نَهاه عن ذلك (١).
أمَّا الحَنفيَّةُ والشافِعيَّةُ فلَم أقِفْ على قَولٍ لهم في هذه المَسألةِ.
٦ - المُرابَحةُ بينَ رَبِّ المالِ والعامِلِ:
قال الحَنفيَّةُ: تَجوزُ المُرابَحةُ بينَ رَبِّ المالِ والمُضارِبِ، وهي أنْ
(١) «المغني» (٥/ ٣٦)، و «الكافي» (٢/ ٢٧٨)، و «المبدع» (٥/ ٣٠)، و «كشاف القناع» (٣/ ٦٠٤)، و «مطالب أولي النهى» (٣/ ٥٣١).