للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الحنابِلةُ: لا يَقعُ طلاقُ مَنْ زالَ عَقلُه بجُنونٍ أو إغماءٍ أو بِرْسامٍ أو نُشَافٍ؛ لقَولِ النَّبيِّ : «رُفعَ القَلمُ عن ثلاثةٍ: عنِ النَّائمِ حتَّى يَستيقظَ، وعنِ الصَّغيرِ حتى يَكبرَ، وعنِ المَجنونِ حتَّى يَعقِلَ أو يُفيقَ» (١)، ولأنَّ الطَّلاقَ قولٌ يُزيلُ المِلكَ فاعتُبِرَ لهُ العَقلُ كالبيعِ (٢).

المسألةُ الرابعةُ: طلاقِ الهازلِ:

أجمَعَ أهلُ العِلمِ على أنَّ الطَّلاقَ لا يُشترطُ فيهِ أنْ يكونَ المُطلِّقُ جادًّا في طلاقِهِ، فلَو طلَّقَ هازِلًا أو لاعِبًا وقَعَ طلاقُهُ عندَ عامَّةِ الفُقهاءِ، فإذا قالَتِ المَرأةُ في مُلاعَبتِها: «طلِّقْنِي ثلاثًا» فقالَ: «نعَمْ أنتِ طالِقٌ ثلاثًا» كاللَّاعِبِ المُستهزِئِ وقَعَ الطَّلاقُ؛ لوُجودِ قَصدِ لَفظِ الطَّلاقِ، ولم يُعدَمْ إلَّا القَصدُ إلى الحُكمِ؛ لِمَا رَواهُ أبو هَريرةَ أنَّ رَسولَ اللهِ قالَ: «ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وهَزلُهنَّ جِدٌّ، النِّكاحُ والطَّلاقُ والرَّجعةُ» (٣)، فدَلَّ على وُقوعِ الطَّلاقِ مِنَ الهازِلِ، وأنَّهُ لا يَحتاجُ إلى النِّيةِ في الصَّريحِ؛ لأنَّ النَّبيَّ سوَّى فِيهنَّ بيْنَ الجادِّ والهازِلِ، ولأنَّ الفرْقَ بيْنَ الجِدِّ والهَزلِ أنَّ الجادَّ قاصِدٌ إلى اللَّفظِ وإلى إيقاعِ حُكْمِه، والهازِلَ قاصِدٌ إلى اللَّفظِ غَيرُ مُريدٍ


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: وقد تقدم.
(٢) «المغني» (٧/ ٢٩١)، و «الإنصاف» (٤/ ٤٣٢)، و «كشاف القناع» (٥/ ٢٦٨)، و «شرح منتهى الإرادات» (٥/ ٣٦٥)، و «منار السبيل» (٣/ ٨٥).
(٣) حَدِيثٌ حَسَنٌ: رواه أبو داود (٢١٩٤)، والترمذي (١١٩٤)، وابن ماجه (٢٠٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>