للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رابِعًا: وَقفُ المَشاعِ:

اختَلفَ الفُقهاءُ في وَقفِ المَشاعِ هل يَصحُّ أم لا؟ بعدَ اتِّفاقِهِم على صِحَّةِ وَقفِ المَشاعِ إنْ حكَمَ به حاكِمٌ.

فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيةُ -على تَفصيلٍ سَيَأتي عندَهُم- والشافِعيةُ والحَنابلةُ وأبو يُوسفَ مِنْ الحَنفيةِ إلى جَوازِ وَقفِ المَشاعِ مِنْ عَقارٍ أو مَنقولٍ ولا يَسرِي إلى الباقي؛ لأنها مِنْ خَواصِّ العِتقِ، واستَدلُّوا على ذلكَ بما رَواهُ النَّسائيُّ وابنُ ماجَه عن نافِعٍ عن ابنِ عُمرَ قالَ: قالَ عُمرُ للنبيِّ : «إنَّ المِائةَ سَهمٍ التي لي بخَيبَرَ لم أُصِبْ مالًا قَطُّ أعجَبَ إليَّ منها، قد أرَدْتُ أنْ أتَصدَّقَ بها، فقالَ النَّبيُّ : احبِسْ أصلَهَا وسَبِّلْ ثَمرَتَها» (١)، وهذا صِفةُ المَشاعِ؛ لأنَّ المِائةَ سَهمٍ التي كانَتْ لعُمرَ بخَيبَرَ لم تَكنْ مُنقسمةً، ولأنه عَقدٌ يَجوزُ على بَعضِ الجُملةِ مُفرَزًا، فَجازَ عليه مَشاعًا كالبَيعِ، أو عَرْصَةً يَجوزُ بَيعُها، فَجازَ وَقفُها كالمُفرَزةِ، ولأنَّ الوَقفَ تَحبيسُ الأصلِ وتَسبيلُ المَنفعةِ، وهذا يَحصلُ في المَشاعِ كحُصولِه في المُفرَزِ، ولا نُسلِّمُ اعتِبارَ القَبضِ، وإنْ سَلَّمْنا فإذا صَحَّ في البَيعِ صَحَّ في الوَقفِ.

واستَدلُّوا أيضًا بما رَواهُ البُخاريُّ: بابٌ: إذا أوقَفَ جمَاعَةٌ أَرضًا مَشاعًا فهو جائِزٌ:


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه النسائي (٣٦٠٣)، وابن ماجه (٢٣٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>