وقد حصَلَ، وفي الرُّجوعِ قَطيعةُ الرَّحمِ والأُلفةِ؛ لأنَّها تُورِثُ الوَحشةَ والنَّفرةَ، فلا يَجوزُ صيانةً للرَّحمِ عن القَطيعةِ وإبقاءً للزَّوجيةِ على الأُلفةِ والمَودةِ، ولأنَّ المَقصودَ بها صِلةُ الرَّحمِ؛ لأنَّ الزَّوجيةَ أُجريَت مجرَى القَرابةِ، بدَليلِ أنَّه يَحصلُ بها الإِرثُ في جَميعِ الأَحوالِ، وسَواءٌ كانَ أحدُ الزَّوجَينِ مُسلمًا أو كافِرًا، لشُمولِ المَعنى.
وإنَّما يُنظرُ إلى هذا وَقتَ الهِبةِ، حتى لو وهَبَ لأجنَبيةٍ ثم تَزوَّجها فله الرُّجوعُ؛ لأنَّ العَقدَ أوجَبَ له الرُّجوعَ قبلَ التَّزويجِ، فكذا بعدَه، ولو وهَبَت له ثم تَزوَّجته كانَ لها الرُّجوعُ، وإنْ وهَبَ لزَوجتِه أو وهَبَت له ثم أبانَها فليسَ له ولا لها الرُّجوعُ؛ لأنَّ العَقدَ وقَعَ غيرَ مُوجِبٍ للرُّجوعِ؛ لأنَّ المُعتبَرَ المَقصودُ وَقتَ العَقدِ (١).
ثانيًا: مَوانعُ الرُّجوعِ في الهِبةِ عندَ المالِكيةِ:
المالِكيةُ أجازوا الرُّجوعَ -كما تقدَّمَ- فيما وهَبَه الوالِدُ لوَلدِه، إلا أنَّهم أسقَطوا حَقَّ الأبِ والأُمِّ في اعتِصارِ الهِبةِ -أي: الرُّجوعِ فيها- إذا وهَبَ لوَلدِه بوُجودِ أحدِ المَوانعِ الآتيةِ:
(١) «المبسوط» (١٢/ ٥٣، ٥٤)، و «بدائع الصنائع» (٦/ ١٣٢)، و «الهداية شرح البداية» (٣/ ٢٢٧)، و «الاختيار» (٣/ ٦٢، ٦٣)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٧٤، ٧٩)، و «تبيين الحقائق» (٥/ ٩٨)، و «نصب الراية» (٤/ ٢١٦)، و «البحر الرائق» (٧/ ٢٩٤)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ١٠٦، ١٠٧)، و «العناية» (١٢/ ٢٩٦، ٣٠٠)، و «اللباب» (١/ ٦٠٧، ٦٠٩)، و «ابن عابدين» (٨/ ٤٨١).