اختَلفَ الفُقهاءُ في المُرتدِّ، هل يُستتابُ المُرتدُّ قبلَ القتلِ؟ أو يُقتلُ بنَفسِ الردَّةِ؟ لأهلِ العِلمِ في ذلكَ قَولانِ مَشهورانِ:
القَولُ الأولُ: إنه يُقتلُ بنَفسِ الردَّةِ، ولا تَجبُ استِتابتُه، بل تُندَبُ، لكنْ لو تابَ نفعَتْه تَوبتُه عندَ اللهِ تعالَى ولا يَسقطُ قَتلُه، وهو مَذهبُ الحَنفيةِ في الصَّحيحِ عندَهم وقَولُ عبدِ الملكِ بنِ الماجشُونِ مِنْ المالِكيةِ وأهلِ الظاهِرِ والشافِعيِّ في قَولٍ وأحمدَ في رِوايةٍ.
قالَ الحَنفيةُ: يُعرَضُ عليه الإسلامُ نَدبًا رَجاءَ أنْ يَعودَ، دونَ الوُجوبِ؛ لأنَّ الدَّعوةَ قد بلَغَتْه، لكنْ يُستحبُّ ذلك؛ لأنَّ الظاهرَ أنهُ إنما ارتدَّ لشُبهةٍ دخَلَتْ عليه أو ضَيمٌ أصابَه، فيُكشفُ ذلك عنه ليَعودَ إلى الإسلامِ، وهوَ أهوَنُ مِنْ القَتلِ، فإنْ كانَتْ له شُبهةٌ كُشفَتْ له.
والدَّليلُ على عَدمِ وُجوبِ استِتابتِه ما رَواهُ الشَّيخانِ عن أبي مُوسى قالَ: أقبَلْتُ إلى النبيِّ ﷺ ومَعي رَجلانِ مِنْ الأشعَريِّينَ أحَدُهما عن يَمينِي والآخَرُ عن يَساري ورَسولُ اللهِ ﷺ يَستاكُ، فكِلاهُما سَألَ، فقالَ: يا أبا مُوسى أو يا عبدَ اللهِ بنَ قَيسٍ، قالَ: قلتُ: والذي بعَثَكَ بالحَقِّ ما أطلَعاني على ما في أنفُسِهما وما شَعَرتُ أنهُما يَطلُبانِ العَملَ، فكأني أنظُرُ إلى سِواكِه تحتَ شفتِه قلَصَتْ، فقالَ: لنْ أو لا نَستعمِلُ على عَمَلِنا مَنْ أرادَه، ولكنِ اذهَبْ أنتَ يا أبا مُوسى أو يا عبدَ اللهِ بنَ قَيسٍ إلى اليَمنِ، ثمَّ أتبَعَه مُعاذَ بنَ جَبَلٍ، فلما قَدِمَ عليه أَلقى له وِسادةً، قالَ: انزِلْ، وإذا رَجلٌ