للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَسبابُ اختِلافِ الفُقَهاءِ

الحَمدُ للهِ مُسبِغِ النِّعمِ، ومُسوِّغِ القِسَمِ، والمُنفرِدِ بالقِدمِ وبارِئِ النَّسَمِ، ومُوجِدِنا بعدَ العَدمِ، وباعِثِ العِظامِ الهامِدةِ والرِّممِ، والمُخالِفِ بينَ الهَيئاتِ والشِّيمِ، حِكَمُه تاهَت في فَهمِها عُقولُ ذَوي الحِكمِ، خلَقَ الأَجسامَ من أَضدادٍ مُتَنافِرةٍ ابتَدَعها بقُدرتِه، وألَّفَ نَقائِضَها بحِكمتِه، حتى أبرَزَها للعَيانِ مُتغايرةَ الصُّورِ والألوانِ، مُتقنةَ الأَشكالِ، مُخترعةً على غيرِ مِثالٍ، وخالَفَ بينَ الآراءِ والاعتِقاداتِ، كما خالَفَ بينَ الصُّورِ والهَيئاتِ، وأخبَرَنا بما في ذلك من واضِحٍ فقالَ تَعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (٢٢)[الروم: ٢٢] وقالَ : ﴿وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ [هود: ١١٨، ١١٩].

وبيَّنَ لنا أنَّه قَديرٌ على غيرِ ما أجرَى العادةَ به فقالَ: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأنعام: ٣٥].

ونبَّهَنا ألطَفَ تَنبيهٍ على ما في هذا الخِلافِ المَوجودِ في البَشرِ، المَركوزِ في الفِطَرِ، من الحِكمةِ البالِغةِ، وأنَّه جعَلَه إحدَى الدَّلائلِ على صِحةِ البَعثِ

<<  <  ج: ص:  >  >>