وسِرُّ المَسألةِ: أنَّهم مُنِعوا مِنْ التِّجارةِ في الأثمانِ بجِنسِها؛ لأنَّ ذلك يُفسِدُ عليهم مَقصودَ الأثمانِ، ومُنِعوا مِنْ التِّجارةِ في الأقواتِ بجِنسِها؛ لأنَّ ذلك يُفسِدُ عليهم مَقصودَ الأقواتِ، وهذا المَعنَى بعَينِه مَوجودٌ في بَيعِ التِّبرِ والعَينِ؛ لأنَّ التِّبرَ ليسَ فيه صَنعةٌ يُقصَدُ لِأجلِها، فهو بمَنزِلةِ الدَّراهِمِ التي قصَد الشارِعُ ألَّا يُفاضِلَ بينَها، ولِهذا قالَ ﷺ: «تِبْرُها وعَينُها سَواءٌ»، فظَهَرتْ حِكمةُ تَحريمِ رِبا النَّساءِ في الجِنسِ والجِنسَيْنِ، ورِبا الفَضلِ في الجِنسِ الواحِدِ، وأنَّ تَحريمَ هذا تَحريمُ المَقاصِدِ، وتَحريمَ الآخَرِ تَحريمُ الوَسائِلِ وسَدِّ الذَّرائِعِ، ولِهذا لَم يُبَحْ شَيءٌ مِنْ رِبا النَّسيئةِ (١).
عِلَّةُ تَحريمِ رِبا الفَضلِ في الدَّراهِمِ والدَّنانيرِ:
اختلَف الفُقهاءُ في عِلَّةِ تَحريمِ رِبا الفَضلِ في الدَّراهِمِ والدَّنانيرِ، أي: الذَّهبِ والفِضَّةِ، على أقوالٍ:
القَولُ الأوَّلُ: أنَّ العِلَّةَ فيهِما كَونُهما مَوزونَيْنِ، وهو قَولُ الحَنفيَّةِ والحَنابِلةِ في المَذهبِ.
القَولُ الثَّاني: وهو قَولُ المالِكيَّةِ والشافِعيَّةِ وأحمدَ في رِوايةٍ أنَّ عِلَّةَ الرِّبا في النَّقدَيْنِ الثَّمنيَّةُ، أي: كَونُهما ثَمَنَ الأشياءِ في الأغلَبِ في جَميعِ أقطارِ الدُّنيا، والعِلَّةُ فيهِما قاصِرةٌ عليهما -عندَ الشافِعيَّةِ وأحمدَ في رِوايةٍ- فيَختَصُّ بالذَّهبِ والفِضَّةِ؛ إذِ الثَّمنيَّةُ وَصفُ شَرَفٍ؛ إذ بها قِوامُ الأموالِ، فيَقتَضي التَّعليلَ بها، ولأنَّه لو كانَتِ العِلَّةُ في الأثمانِ الوَزنَ لَم يَجُزْ إسلامُهما
(١) «إعلام الموقعين عن رب العالمين» (٢/ ٤٠٢، ٤٠٥).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute