وقال أبو حَنيفةَ والشافِعيَّةُ في المَذهبِ: لو استَقرَضَ فُلوسًا فكَسَدتْ فعليه مِثلُها، وليس له إلا النَّقدُ الذي أقرَضَه؛ لأنَّ رَدَّ المِثلِ كان واجِبًا، ولأنَّ الفائِتَ بالكَسادِ ليس إلا وَصفَ الثَّمَنيَّةِ، وهذا وَصفٌ لا تَعلُّقَ لِجَوازِ القَرضِ به، ألا تَرى أنَّه يَجوزُ استِقراضُه بعدَ الكَسادِ ابتِداءً -وإنْ خَرَج مِنْ كَونِه ثَمَنًا-؟ فلَأنْ يَجوزَ بَقاءُ القَرضِ فيه أوْلى؛ لأنَّ البَقاءَ أسهَلُ، وكذلك الجَوابُ في الدَّراهِمِ التي يَغلِبُ عليها الغِشُّ؛ لأنَّها في حُكمِ الفُلوسِ.
وأمَّا المَسألةُ الأُخرى، وهي: إذا استَقرَضَ فُلوسًا فنَقَصتْ قيمَتُها، هل يَرُدُّ المِثلَ أو القيمةَ؟
فذهَب جُمهورُ الفُقهاءِ أبو حَنيفةَ وأبو يُوسُفَ في قَولِه الأوَّلِ والمالِكيَّةُ والشافِعيَّةُ والحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّه إذا استَقرَضَ فُلوسًا فنَقَصتْ قيمَتُها -بأنْ رَخُصَ السِّعرُ، مِثلَ أنْ كان عَشَرةً بدانَقٍ، فصارَتْ عِشرينَ بدانَقٍ- فإنَّه يَلزَمُه مِثلُها، لا قيمَتُها، سَواءٌ نَقَصتْ قيمَتُها قَليلًا أو نَقَصتْ كَثيرًا ما دامَ يَتعامَلُ بها؛ لأنَّه لَم يَحدُثْ فيها شَيءٌ، إنَّما تَغيَّرَ السِّعرُ فأشبَهَ الحِنطةَ إذا رَخُصتْ أو غَلَتْ (١).
(١) يُنظر: «بدائع الصنائع» (٧/ ٣٩٥)، و «شرح فتح القدير» (٧/ ١٥٧)، و «تبيين الحقائق» (٤/ ١٤٣)، و «البحر الرائق» (٦/ ٢٢٠)، و «شرح مختصر خليل» (٥/ ٥٥)، و «الشرح الكبير» (٤/ ٣٦٠)، و «مواهب الجليل» (٦/ ١٦٣)، و «البهجة في شرح التحفة» (٢/ ٢٠)، و «الشرح الصغير» (٦/ ٢٨٩)، و «روضة الطالبين» (٣/ ٢٥٨)، و «البيان» (٥/ ٤٦١)، و «حواشي الشرواني» (٥/ ٤٤)، و «المغني» (٤/ ٢١٤)، و «كشاف القناع» (٣/ ٣٦٧)، و «شرح منتهى الإرادات» (٣/ ٣٢٥)، و «الإنصاف» (٥/ ١٢٦، ١٢٧)، و «الروض المربع» (٢/ ٦).