الحالةُ الثَّامِنةُ: الخِلافُ في قَضاءِ الدَّيْنِ:
اختَلفَ الفُقهاءُ في المُوكِّلِ إذا وكَّل إنسانًا في قَضاءِ دَيْنٍ عليه، فقالَ الوَكيلُ: قَضَيتُه، وأنكَرَ الغَريمُ القَبْضَ، هَلْ يُصدَّقُ الوَكيلُ أو لا، وهَل يَجِبُ عليه الإشهادُ أو لا؟
فَذهَب المالِكيَّةُ في المَشهورِ والشَّافِعيَّةُ في الأظهَرِ والحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ الوَكيلَ بقَضاءِ الدَّيْنِ إنْ قالَ: قَضيتُه، ولَم يُشهِدْ، وأنكَرَ مُستَحقُّ الدَّيْنِ القَبضَ فهو ضامِنٌ لِلمالِ.
وَيُصدَّقُ المُستَحقُّ بيَمينهِ؛ لأنَّه لَم يَأتَمِنِ الوَكيلَ حتى يَلزَمَه تَصديقُه، ولأنَّ المُوكِّلَ لو ادَّعى القَضاءَ لَم يُصدَّقْ؛ لأنَّ الأصلَ عَدمُ القَضاءِ، فكذا نائِبُه، وإذا حلَف المُستَحقُّ طالَبَ المُوكِّلَ بحَقِّه، لا الوَكيلَ.
ولا يُقبَلُ قَولُ الوَكيلِ على الغَريمِ أنَّه قَضاه إلَّا إذا قَضاه بحَضرةِ مُوكِّلِه، أو قَضاه ببيِّنةٍ أو شاهِدٍ، ويَحلِفُ مَعهُ؛ لأنَّه ليسَ بأمينِه، فلَم يُقبَلْ قوله عليه في ذلك، كما لو ادَّعاه المُوكِّلُ.
قالَ المالِكيَّةُ: الوَكيلُ بقَضاءِ الدَّيْنِ إذا أقبَضَ الدَّيْنَ الذي على مُوكِّلِه لِرَبِّه، ولَم يُشهِدْ على القابِضِ، وأنكَرَ القابِضُ أو ماتَ أو غابَ، وطَلبَ ذلك الدَّينَ وَكِيلُه لِعدمِ عِلمِه بقَبضِ مُوكِّلِه؛ فإنَّ الوَكيلَ يَضمَنُ ذلك لِتَفريطِه بعَدمِ الإشهادِ، وسَواءٌ الوَكيلُ المُفَوَّضُ أو غيرُه، وسَواءٌ جَرَتِ العادةُ بالإشهادِ أو بعَدمِه، أو لَم تَجْرِ عادةٌ على المَذهبِ، وقيلَ: لا ضَمانَ عليه إذا جَرَتِ العادةُ بعَدمِ الإشهادِ، وعلى المَذهبِ يُستَثْنَى هذا مِنْ قاعِدةِ العَملِ