للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالنَّبيُّ نَهى عن المُبالَغةِ حِفظًا لِلصَّومِ، فدَلَّ ذلك على أنَّه يُفطِرُ به؛ لأنَّه لو لم يَكُنْ وُصولُ الماءِ في المُبالَغةِ مَنهيًّا عنه في الصَّوم، لم يَكُنْ لِلنَّهيِ عن المُبالَغةِ مَعنًى، ولأنَّ المُبالَغةَ مَنهيٌّ عنها في الصَّومِ، وما تَولَّد من سَببٍ مَنهيٍّ عنه فهو كالمُباشَرةِ، كما لو جُرِح إنسانٌ فماتَ، جعَل كأنَّه باشَرَ قَتلَه، ولأنَّه وُصِل بفِعلٍ مَنهيٍّ عنه فأشبَهَ التَّعمُّدَ فعُلِم أنَّه مُنِع ذلك في الصَّومِ احتياطًا وتَحرُّزًا من سَبقِ الماءِ إلى الحَلقِ، فدَلَّ ذلك على أنَّه متى حصَل وَقَع به الفِطرُ، ولأنَّه أوصَلَ الماءَ إلى جَوفِه، ذاكِرًا لِصَومِه فأفطَر، كما لو تَعمَّدَ شُربَه.

وذهَب الحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّه لو بالَغ في المَضمَضةِ أو الاستِنشاقِ فدخَل الماءُ في حَلقِه لا يُفطِرُ بذلك؛ لأنَّه وصَل من غَيرِ قَصدٍ فأشبَهَ غُبارَ الدَّقيقِ إذا نخَله.

الحالةُ الثانيةُ: ألَّا يُبالِغَ في المَضمَضةِ والاستِنشاقِ:

اختَلفَ الفُقهاءُ في الصائِمِ إذا لم يُبالِغْ في المَضمَضةِ أو الاستِنشاقِ إلا أنَّه سبَقه الماءُ إلى حَلقِه هل يُفطِرُ بذلك أو لا؟

فذهَب الحَنفيَّةُ والمالِكيَّةُ والشافِعيَّةُ في قَولٍ إلى أنَّه يُفطِرُ بذلك ويَبطُلُ صَومُه، لِحَديثِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ المُتقدِّمِ، فشَبَّه القُبلةَ بالمَضمَضةِ، فإذا قبَّلَ فأنزَل بطَل صَومُه، فكذلك إذا تَمضمَض فنزَل الماءُ إلى جَوفِه، وجَب أنْ يَبطُلَ صَومُه، ولِقَولِ النَّبيِّ لِلَقيطِ بنِ صَبِرةَ: «وَبَالِغْ في الِاسْتِنْشَاقِ إلا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» (١).


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٢٣٦٦)، والترمذي (٧٨٨)، وابن ماجه (٤٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>