للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - شِراءُ المُضارِبِ بالنَّسيئةِ:

اختلَف الفُقهاءُ في المُضارِبِ هل يَجوزُ له أنْ يَشتريَ بالنَّسيئةِ إذا لَم يأذَنْ له رَبُّ المالِ ولَم يَنهَه أو لا يَجوزُ؟

فذهَبَ الحَنفيَّةُ إلى أنَّه يَجوزُ لِلمُضارِبِ أنْ يَشتريَ بالنَّسيئةِ، كما يَجوزُ له البَيعُ بالنَّسيئةِ، لأنَّ كلَّ ذلك مِنْ صَنيعِ التُّجارِ، فيَنتَظمُه إطلاقُ العَقدِ، وأصلُه أنَّ المُضارِبَ مَأمورٌ بالتِّجارةِ، فيَدخُلُ تحتَ الإذنِ كلُّ ما هو تِجارةٌ، أو ما لا بُدَّ لِلتِّجارةِ منه (١).

وقال المالِكيَّةُ: لا يَجوزُ لِلعامِلِ أنْ يَشتريَ سِلَعًا لِلقِراضِ بنَسيئةٍ، وإنْ أذِن رَبُّه له في ذلك، وأمَّا شِراؤُه لِنَفْسِه فجائِزٌ إذا لَم يَشغَلْه عنِ القِراضِ.

والفَرقُ أنَّه يَجوزُ لِلعامِلِ أنْ يَبيعَ بنَسيئةٍ إذا أذِنَ له رَبُّ المالِ، كما تَقدَّم، وأنَّه لا يَجوزُ له أنْ يَشتريَ بنَسيئةٍ ولو أذنَ له رَبٌّ المالِ في ذلك، لأنَّ بَيعَه بالدَّينِ فيه تَعريضٌ لِإتلافِ المالِ، وهو مِنْ حَقِّ رَبِّه؛ فإذا أذِن جازَ له ذلك، وأمَّا شِراؤه بالدَّينِ؛ فإنَّه يَكونُ ضامِنًا، فالرِّبحُ له ولا شَيءَ منه لِرَبِّ المالِ؛ لأنَّه «نَهى عن رِبحِ ما لَم يُضمَنْ، فكيف يأخُذُ رَبُّ المالِ رِبحَ ما يَضمَنُه العامِلُ في ذِمَّتِه، وهذا حيث كان لِرَبِّ المالِ حِصَّةٌ مِنَ الرِّبحِ، ولو كان الرِّبحُ كلُّه لِلعامِلِ جازَ، إذْ تَخلَّص حينَئِذٍ مِنْ نَهيِه مِنْ رِبحِ ما لَم يُضمَنْ.


(١) «الهداية» (٣/ ٢١٠)، و «الاختيار» (٣/ ٢٤)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ١٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>