للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهي زِنًا، والاستِثناءُ المَذكورُ فيها مُنفصِلٌ، فمَعنى الآيةِ: «لكنْ إنْ نشَزْنَ عَليكُم وخالَفْنَ أمْرَكُم حَلَّ لكُم ما ذَهبْتُم به مِنْ أموالِهنَّ» مَعناهُ: إذا كانَ عن طِيبِ أنفُسِهنَّ، ولا يكونُ ذلكَ عَنْ طيبِ أنفُسِهنَّ إلَّا إذا لم يكنْ مِنهم إليهنَّ ضَررٌ ولا تَضييقٌ، فعلى هذا التَّأويلِ تَتفِقُ آيُ القُرآنِ ولا تَتعارَضُ، وقد قيلَ في تأويلِ الآيةِ غيرُ هذا، وهذا أحسَنُ، واللهُ أعلَمُ (١).

وقَالَ ابنُ عَبدِ البرِّ : قالَ أبو قِلابةَ ومُحمدُ بنُ سِيرينَ: لا يَحلُّ للرَّجلِ الخُلعُ حتَّى يَجدَ على بَطنِها رَجلًا.

وهذا عِندي ليسَ بشَيءٍ؛ لأنَّ الفاحِشةَ قد تكونُ في البِذاءِ والجَفاءِ، ومنهُ قيلَ للبَذيءِ فاحِشٌ ومُتفاحِشٌ، وعلى أنَّه لوِ اطَّلعَ مِنها على الفاحِشةِ كانَ لهُ لِعانُها وإنْ شاءَ طلَّقَها، وأمَّا أنْ يُضارَّ بها حتَّى تَفتديَ منهُ بمالِها فليسَ ذلكَ لهُ، وما أعلَمُ أحَدًا قالَ: «لهُ أنْ يُضارَّها ويُسيءَ إليها حتَّى تَختلِعَ منهُ إذا وجَدَها تَزنِي» غيرَ أبي قِلابةَ، واللهُ أعلَمُ (٢).

وسُئلَ شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ عن رَجلٍ اتَّهم زوْجتَه بفاحِشةٍ بحَيثُ إنَّه لم يَرَ عندَها ما يُنكِرُه الشَّرعُ، إلَّا أنَّه ادَّعى أنَّه أرسَلَها إلى عُرسٍ ثمَّ تَجسَّسَ عليها فلم يَجدْها في العُرسِ، فأنكَرَتْ ذلكَ، ثمَّ إنَّه أتَى إلى أوليائِها وذكَرَ لهُم الواقِعةَ، فاستَدعَوا بها لتُقابِلَ زوْجَها على ما ذُكِرَ، فامتَنعَتْ خَوفًا مِنْ الضَّربِ فخرَجَتْ إلى بيتِ خالِها، ثمَّ إنَّ الزَّوجَ بعدَ ذلكَ


(١) «البيان والتحصيل» (٥/ ٢٣٣، ٢٣٤)، و «المقدمات الممهدات» (١/ ٥٠٣).
(٢) «الاستذكار» (٦/ ٧٩)، و «تفسير القرطبي» (٥/ ٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>