قالَ مُحمدُ بنُ رُشدٍ: لا يَحلُّ للرَّجلِ إذا كَرهَ المرأةَ أنْ يُمسكَها ويُضيِّقَ عليها حتَّى تَفتديَ منه وإنْ أتَتْ بفاحِشةٍ مِنْ زِنًى أو نُشوزٍ أو بِذاءٍ؛ لقولِ اللهِ ﷿: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ﴾ [النساء: ٢٠] إلى قولِه: ﴿غَلِيظًا﴾ [النساء: ٢١] هذا مَذهبُ مالِكٍ وجَميعِ أصحابِه، لا اختِلافَ بَينَهم فيه.
ومِن أهلِ العِلمِ مَنْ أباحَ للرَّجلِ إذا اطَّلعَ على زوْجتِه بزنًى أنْ يُمسِكَها ويُضيِّقَ عليها حتَّى تَفتديَ منهُ؛ لقَولِ اللهِ ﷿: ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ [النساء: ١٩] وتأوَّلَ أنَّ الفاحِشةَ المُبيِّنةَ هاهُنا الزِّنَى، وجعَلَ الاستِثناءَ مُتصِلًا.
ومِنهم مَنْ تأوَّلَ أنَّ الفاحِشةَ المبيِّنةَ البُغضُ والنُّشوزُ والبِذاءُ باللِّسانِ، فأباحَ للزَّوجِ إذا أبغَضَتْه زوْجتُه ونشَزَتْ عنهُ وبَذَتْ بلِسانِها عليه أنْ يُمسكَها ويُضيِّقَ عليها حتَّى تَفتديَ منه.
ومِنهم مَنْ حمَلَ الفاحِشةَ على العُمومِ، فأباحَ للزَّوجِ ذلكَ، كانَتِ الفاحِشةُ الَّتي أتَتْ بها زِنًى أو نُشوزًا أو بِذاءً باللِّسانِ أو ما كانَتْ.
والصَّحيحُ ما ذهَبَ إليه مالكٌ ﵀؛ لأنهُ إذا ضيَّقَ عليها حتَّى تَفتديَ منهُ فقَدْ أخَذَ مالَها بغيرِ طِيبِ نَفسٍ منها، ولم يُبِحِ اللهُ ذلكَ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفسٍ منها؛ ﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (٤)﴾ [النساء: ٤].
والآيةُ الَّتي احتَجُّوا بها لا حُجَّةَ لهُم فيهَا؛ لأنَّ الفاحِشةَ المُبيِّنةَ فيها مِنْ جِهةِ النُّطقِ أنْ تَبذُوَ عليهِ وتَشتمَ عِرضَه وتُخالِفَ أمْرَه؛ لأنَّ كُلَّ فاحِشةٍ أتَتْ في القُرآنِ مَنعوتةً بمُبيِّنةٍ فهي مِنْ جِهةِ النُّطقِ، وكلُّ فاحِشةٍ أتَتْ فيهِ مُطلَقةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute