قالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ ﵀: لا نَعلمُ خِلافًا بَينَ أهلِ العلمِ في أنَّه لا تَجبُ التَّسويةُ بينَ النِّساءِ في الجِماعِ، وهو مَذهبُ مالكٍ والشَّافعيِّ؛ وذلكَ لأنَّ الجِماعَ طريقُه الشَّهوةُ والمَيلُ، ولا سبيلَ إلى التَّسويةِ بَينهنَّ في ذلكَ، فإنَّ قلبَهُ قد يَميلُ إلى إحداهُما دونَ الأُخرى، قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾ [النساء: ١٢٩]، قالَ عُبيدةُ السَّلْمانِيُّ: في الحُبِّ والجِماعِ، وإنْ أمكَنَتِ التَّسويةُ بينَهُما في الجِماعُ كانَ أحسَنَ وأَولَى، فإنهُ أَبلغُ في العَدلِ، وقد كانَ النَّبيُّ ﷺ يَقسِمُ بينَهنَّ فيَعدِلُ ثمَّ يَقولُ:«اللَّهمَّ هذا قَسْمِي فيما أملِكُ، فلا تَلُمْنِي فيما لا أملِكُ»، ورُويَ أنَّه كانَ يُسوِّي بَينهنَّ حتَّى في القُبَلِ، ولا تَجبُ التَّسويةُ بينَهنَّ في الاستِمتاعِ بما دونَ الفَرْجِ مِنْ القُبَلِ واللَّمسِ ونَحوِهما؛ لأنهُ إذا لم تَجبِ التَّسويةُ في الجِماعِ ففي دَواعيه أَولَى (١).
وقالَ الإمامُ الغَزالي ﵀: وإنَّما عليهِ العَدلُ في العَطاءِ والمَبيتِ، وأمَّا في الحُبِّ والوِقاعِ فذلكَ لا يَدخُلُ تحتَ الاختِيارِ، قالَ اللهُ تعالَى: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾ [النساء: ١٢٩] أي: أنْ تَعدِلُوا في شَهوةِ القَلبِ ومَيلِ النَّفسِ، ويَتبعُ ذلكَ التَّفاوُتُ في الوِقاعِ.
وكانَ رَسولُ اللهِ ﷺ يَعدِلُ بينَهنَّ في العَطاءِ والبَيتُوتةِ في اللَّيالِي ويَقولُ:«اللَّهمَّ هذا جَهدِي فيما أَملِكُ، ولا طاقَةَ لي فيما تَملِكُ ولا أملِكُ» يَعني الحُبَّ.