للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كانَ كذلكَ فإنَّ العُلماءَ اختَلفُوا، هل يَجوزُ لهُ أنْ يَتخيَّرَ بعضَهنَّ ويُسافِرَ بها؟ أم لا بُدَّ مِنْ القُرعةِ فأيَّتهنَّ خرَجَتْ قُرعتَها سافَرَ بها؟

فذهَبَ الشَّافعيةُ والحَنابلةُ وهو قَولُ أكثرِ أهلِ العِلمِ إلى أنَّ الرَّجلَ إذا كانَ لهُ أكثرُ مِنْ امرأةٍ وأرادَ أنْ يُسافِرَ بإحداهُنَّ لم يَجُزْ له أنْ يُسافِرَ بها إلَّا بقُرعةِ الَّتي تَزولُ بها عنهُ التُّهمةُ؛ لمَا رَواهُ البُخاريُّ عن عُروةَ عن عائِشةَ قالَتْ: «كانَ رَسولُ اللهِ إذا أرادَ سفَرًا أقرَعَ بينَ نِسائِه، فأيَّتُهنَّ خرَجَ سَهمُها خرَجَ بها معهُ، وكانَ يَقسِمُ لكلِّ امرَأةٍ مِنهُنَّ يَومَها ولَيلتَها، غيرَ أنَّ سَودةَ بنتِ زَمعةَ وهَبَتْ يَومَها ولَيلتَها لعائِشةَ زَوجِ النَّبيِّ تَبتغِي بذلكَ رِضا رَسولِ اللهِ » (١).

ولأنهُنَّ قد تَساوَينَ في استِحقاقِ القَسْمِ، فلم يَجُزْ أنْ يُميِّزَهنَّ فيهِ مِنْ غيرِ قُرعةٍ، ولأنَّ في المُسافَرةِ ببَعضِهنَّ مِنْ غيرِ قُرعةٍ تَفضيلًا لها ومَيلًا إليها، فلم يَجُزْ بغيرِ قُرعةٍ كابتِداءِ القَسْمِ، فإذا أقرَعَ بينَهنَّ ليُسافِرَ بواحِدةٍ مِنهنَّ فأيَّتهنَّ قرعَتْ سافَرَ بها.

ولو راضاهُنَّ على السَّفرِ بواحِدةٍ مِنهنَّ بغَيرِ قُرعةٍ جازَ، فإنِ امتَنعْنَ بَعدَ الرِّضا مِنْ تَسليمِ الخُروجِ لتلكَ إلَّا بالقُرعةِ كانَ ذلكَ لهنَّ إذا لم يَشرَعْ في الخروجِ، فإنْ شرَعَ فيهِ وسافَرَ حتَّى جازَ لهُ القَصرُ لم يَكنْ لهنَّ ذلكَ، واستَقرَّ حتَّى المُتراضِي سَفرُها وتَعيَّن ذلكَ لها.


(١) رواه البخاري (٢٤٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>