للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقَولُ النَّبيِّ : «ليسَ بكِ على أهلِكِ هَوانٌ» يَدلُّ أنهُ رأَى منها أنها استَقلَّتِ الثَّلاثَ الَّتي هي حقُّ الثَّيِّبِ، فآنَسَها بقَولِه: «ليسَ بكِ على أهلِكِ هَوانٌ»، أي: ليسَ أَقسِمُ ثَلاثًا لهَوانِكِ عِندِي، وإنَّما أَقسمُها لكِ لأنهُ حقُّ الثِّيبِ، وخَيَّرَها بَينَ أعلَى حُقوقِ النِّساءِ وأَشرَفِها عِندَهنَّ وهي السَّبعُ وبَينَ الثَّلاثِ، على شَرطِ إنِ اختارَتِ السَّبعَ قَسَمَ لِكلِّ ثَيِّبٍ مِثلَها، وإنِ اختارَتِ الثَّلاثَ الَّتي هي حَقُّها لم يَقسِمْ لغيرِها مثلَها، فرَأَتْ أنَّ الثَّلاثَ الَّتي هي حقُّها أفضلُ لها، إذْ لا يَقسِمُ لغيرِها مِثلَها، ولسُرعةِ رُجوعِه إليها، فاختارَتْها وطابَتْ نَفسُها عليها، ورأَتْ أنها أرجَحُ عندَها مِنْ أنْ يُسبِّعَ عندَها على أنْ يُسبِّعَ عندَ غَيرِها، وفي هذا ضَربٌ مِنْ اللُّطفِ والرِّفقِ بمَن يُخشَى منهُ كراهةُ قَبولِ الحقِّ حتَّى يَتبيَّنَ لهُ فَضلُه ويَختارَ الرُّجوعَ إليهِ.

ولأنهُ لمَّا ذكَرَ السَّبعَ قرَنَها بالقضاءِ فقالَ: «سَبَّعْتُ عندَكِ وسَبَّعْتُ عندَهنَّ»، ولمَّا ذكَرَ الثَّلاثَ لم يَقرِنْها بالقضاءِ؛ لأنَّ الدَّورانَ عليهنَّ يَقتضي ابتداءَ قَسْمٍ لا قضاءً.

وقولُ أنسٍ : «السُّنةُ للبِكرِ سَبعًا وللثَّيِّبِ ثِلاثًا» (١) دلَّ على استِحقاقِ هذهِ المُدَّةِ مِنْ غَيرِ قَضاءٍ مِنْ وَجهَينِ:

أحَدُهما: فَرقُه فيهِ بَينَ البِكرِ والثيِّبِ.

والثَّاني: حَصرُه بعَددٍ وما يَقضي لا يَفتَرِقانِ فيهِ ولا يَنحصرُ جَريانُ العادةِ فيما تَختصُّ بهِ المُستجِدَّةُ عُرفًا وشَرعًا تَجعلُه حُكمًا مُستحَقًّا، ولأنهُ


(١) رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (١٦٩٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>