للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اختَلفتِ الرِّوايةُ عن أحمَدَ في النِّثارِ والتِقاطِه، فرُويَ أنَّ ذلكَ مَكروهٌ في العُرسِ وغيرِه، ورُويَ ذلكَ عن أبي مَسعودٍ البَدرِي وعِكرمةَ وابنِ سيرينَ وعطاءٍ وعبدِ اللهِ بنِ زيدٍ الخطْميِّ وطَلحةَ وزُبيدٍ الياميِّ، وبه قالَ مالكٌ والشافِعيُّ.

ورُويَ عن أحمَدَ رِوايةٌ ثانيةٌ: ليسَ بمَكروهٍ، اختارَها أبو بكرٍ، وهو قولُ الحسَنِ وقَتادةَ والنخَعيِّ وأبي حَنيفةَ وأبي عُبيدٍ وابنِ المُنذرِ؛ لِمَا روَى عبدُ اللهِ بنُ قُرطٍ قالَ: «قُرِّبَ إلى رسولِ اللهِ خَمسُ بدَناتٍ أو سِتٌّ، فطَفِقنَ يَزدَلفْنَ إليه بأيِّتهنَ يَبدأُ، فنحَرَها رسولُ اللهِ وقالَ كلمةً لم أسمَعْها، فسألتُ مَنْ قَرُبَ منه فقالَ: قالَ: مَنْ شاءَ اقتَطعَ» رواه أبو داودَ، وهذا جارٍ مَجرَى النِّثارِ، وقد رُويَ: «أنَّ النبيَّ دُعِيَّ إلى وَليمةِ رَجلٍ مِنْ الأنصارِ، ثم أتَوا بنَهبٍ، فأنهَبَ عليهِ، قالَ الراوِي: ونظَرْتُ إلى رسولِ اللهِ يُزاحِمُ الناسَ أو نحوَ ذلكَ، قلتُ يا رَسولَ اللهِ أوَمَا نَهيتَنا عن النُّهبةِ، قالَ: نَهيتُكم عن نُهبةِ العَساكرِ»، ولأنه نوعُ إباحةٍ، فأشبَهَ إباحةَ الطعامِ للضِّيفانِ.

ولنَا: ما رُويَ عن النبيِّ أنه قالَ: «لا تَحلُّ النُّهبَى والمُثلةُ» رواه البُخاريُّ، وفي لفظٍ: «أنَّ النبيَّ نهَى عن النُّهبَى والمُثلةِ»، ولأنَّ فيه نَهبًا وتَزاحمًا وقِتالًا، وربَّما أخَذَه مَنْ يَكرهُ صاحبُ النِّثارِ لحِرصِه وشَرَهِه ودَناءةِ نفْسِه، ويُحرَمُه مَنْ يحبُّ صاحبُه لمُروءَتِه وصيانةِ نفسِه وعِرضِه، والغالِبُ هذا؛ فإنَّ أهلَ المُروءاتِ يَصونونَ أنفُسَهم عن مُزاحَمةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>