للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الحَنابلةُ: وكُرِهَ النثارُ في العُرسِ وغيرِه؛ لِمَا فيه مِنْ النُّهبةِ «وقد نهَى عن النُّهبَى والمُثلةِ»، والتِقاطُه دَناءةٌ وإسقاطُ مُروءةٍ، واللهُ يُحِبُّ مَعاليَ الأمورِ ويَكرهُ سَفْسافَها، ولأنَّ فيه تَزاحُمًا وقِتالًا، وقد يأخُذُه مَنْ غيرُه أحَبُّ إلى صاحِبِه، ومَن حصَلَ في حِجرِه منه شيءٌ أو أخَذَه فلهُ ولو لم يَقصدْ تملُّكَه؛ لأنَّ مالِكَه قصَدَ تَمليكَه لمَن حازَه، وقد حازَه مَنْ أخَذَه وحصَلَ في حِجرهِ، فيَملكُه، كما لو وثَبَتْ سَمكةٌ في البَحرِ فوقَعَتْ في حِجرِه، وكذا لو دخَلَ صيدٌ دارَه أو خَيمتَه فأغلَقَ عليه البابَ، وليسَ لأحَدٍ أخذُه منه، فإنْ قسَمَ الآخذُ للنِّثارِ ما أخَذَه على الحاضِرينَ لم يُكرهْ له ولا لهم؛ لأنَّ الحقَّ له وقد أباحَهُ لهم، وكذلكَ إنْ وضَعَه بينَ أيديهم وأَذِنَ لهم في أخذِه على وَجهٍ لا يَقعُ فيه تَناهُبٌ فيُباحُ؛ لعَدمِ مُوجِبِ الكَراهةِ (١).

وذهَبَ الحَنفيةُ والحَنابلةُ في رِوايةٍ اختارَها أبو بكرٍ وهو اختِيارُ ابنِ عبدِ البَرِّ وابنِ العرَبيِّ مِنْ المالِكيةِ إلى أنه يُباحُ نِثارُ الجَوزِ واللوزِ والسُّكرِ والتِقاطُه بلا كَراهةٍ؛ «لأنه نحَرَ خمْسَ بَدناتٍ وقالَ: مَنْ شاءَ اقتَطعَ» (٢)، وهذا جارٍ مَجرَى النِّثارِ؛ لأنه نَوعُ إباحةٍ.

قالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ : مَسألةٌ قالَ: (والنِّثارُ مَكروهٌ؛ لأنه شبَهُ النُّهبةِ، وقد يأخُذُه مَنْ غيرُه أحَبُّ إلى صاحبِ النِّثارِ منه).


(١) «مطالب أولي النهى» (٥/ ٢٥١)، و «منار السبيل» (٣/ ٣٧).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (١٧٦٥)، وأحمد (١٩٠٩٨)، وابن خزيمة في «صحيحه» (٢٩١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>